أقلام الثبات
تتراكم الأزمات السياسية أمام اللبنانيين وتستعر معها مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية، فمن الغلاء الفاحش الى ارتفاع أسعار المحروقات ومازوت التدفئة وانقطاع الكهرباء الى اقساط المدارس وكلفة المستشفيات، يجد اللبناني نفسه عاجزاً عن رؤية الضوء في آخر النفق وخاصة أن لا حلول سياسية ولا إقتصادية تلوح في الأفق.
وأمام هذا الواقع، تستمر السلطة السياسية في الاشتباك والتقاعس أمام ملفات كبرى، منها ما يطرح الآن:
الكهرباء: عملياً، بعد وصول البواخر المحملة بالفيول أويل ورسوها في المياه اللبنانية ودفع غرامات هائلة تقدّر بمئات آلاف من الدولارات، ينكشف مدى الاستهتار بحياة المواطن، بالتذرع بالكيدية السياسية التي تمارسها الأطراف السياسية ضد بعضها لغاية الآن (بأفضل الأحوال) أو التذرع بالآليات القانونية والسياسية لإستفادة مافيات الموتورات والمازوت شركاء العديد من الطبقة السياسية، التي أثرت من جيوب اللبنانيين وأغرقتهم بسموم الموتورات وضررها على البيئة وصحة المواطنين.
التحقيق القضائي مع رياض سلامة وشركائه استمرت السلطة السياسية بالامعان بضرب القوانين بعرض الحائط وحماية رياض سلامة وشركائه والبنوك العاملة في لبنان، وتعطيل كل التحقيقات القضائية اللبنانية، حتى وقع لبنان بفخ العجز عن التقدم في أي تحقيق للعدالة وبات مكاناً للإفلات من العقاب، فأتى الاوروبيون ليعطوا اللبنانيين "الأوادم" أملاً بإحقاق العدالة ولو كان مشوباً بفرض بغصة " التدخل الخارجي".
ولكن، بين هذا الصراع القيمي بين السيادة اللبنانية وتحقيق العدالة والانصاف، نجد ما يلي:
1- لم يكن المحققون الأوروبيون ليتعاملوا مع ملفات تبييض أموال واختلاس وإثراء غير مشروع لو كانت قد حصلت في لبنان وحده، بل إن التحقيق الأوروبي يستند الى أن المتهمون قاموا بأعمالهم الخارجة عن القانون في لبنان وفي الدول الاوروبية.
2- لم يكن الخارج ليتدخل لو أن القضاة اللبنانيين قاموا بمسؤولياتهم على أكمل وجه، وحوّلوا المجرمين الى العدالة ولم يتذرعوا تارة بحماية طائفية أو حماية سياسية أو غير ذلك... لكن الذي حصل أن القضاة اللبنانيين أمعنوا في ضرب القانون، وصار "بعضهم" مثار شبهة فساد وإثراء غير مشروع بتغطية وشراكة مع الأشخاص المفترض بهم ان يسوقوهم للعدالة أنفسهم.
3- كيف يمكن لقضاة لبنان أن يتذرعوا بكرامة القضاء اللبناني والسيادة القضائية وهم لم ينصفوا ضحايا المرفأ، ولم ينصفوا المودعين اللبنانيين، ولم يحركوا ساكناً أمام كل هذه الجرائم ولم ينتفضوا إلا حين مسّت رواتبهم، فقاموا بثورة قضائية لتصحيح رواتبهم، ونسوا أنهم مكلفين بحماية اللبنانيين من تغوّل الفاسدين وتدخل السياسيين بالقضاء وتعطيله.
في النتيجة، إن التمسك بالسيادة اللبنانية أمر ممتاز ومطلوب، لكن ماذا ترك السياسيون والقضاة والنواب والوزراء والاعلاميون من تلك السيادة؟. بدءًا من قيام اعلاميين باستصراح مسؤولين غربيين عن رأيهم بتفاصيل الشؤون الداخلية اللبنانية، ومن تسليم السياسيين شؤون لبنان واسم الرئيس وأسماء الوزراء الى الخارج ليقرروا بهم، ومن قيام النواب بعرض مشاريعهم الداخلية أمام مسؤولين خارجيين وكأنهم تلامذة في صف ابتدائي الخ... عن أي سيادة تتكلمون يا سادة؟