أقلام الثبات
بلغ لبنان أخيراً مرحلة الحضيض الإعلامي الى أدنى الدرجات، ربما انسجاماً مع الحضيض السياسي والاقتصادي، ولا حاجة لوسائل الإعلام التقليدية في تبادل "القذائف" بين المسؤولين، ما دامت مواقع التواصل وفي طليعتها "تويتر"، تنقل إلينا قصف المواقف والردود المناسبة، في بلدٍ سائبٍ بلا سلطات، يُمسِك به أهل السلطان الذين لا يتلقى منهم الشعب اللبناني سوى شظايا المعارك الشخصية بكل قذارتها.
لن ندخل في التسميات، طالما أن الكل يقصف الكل، سواء على مستوى الرؤساء أو النواب أو الوزراء، ولن نستغيث بالقضاء على مختلف درجاته واختصاصاته، لأن سلطته يستمدُّها من هيبة سلطة عُليا مُنهارة، وواقع طبقة سياسية دنيوية دُنيا، ودينية ليست أفضل حالاً، ولا يُلام اللبنانيون لو صدحوا الوجع بصرخة "وا جيشاه"، لو كانت حناجرهم ما زالت قادرة على الصُراخ، عسى الوجوه الميليشيوية القبيحة التي عاشوا بسببها زمن "نجوم الظهر" ترتحل عنهم.
ومع هذه الوجوه، الأزمة قديمة/ جديدة في التوافق على رئيسٍ للجمهورية، وليست المرة الأولى التي يُفتح فيها خزان الجيش عساه يرفد قصر بعبدا برئيس، ليس فقط لأن سمعة الجيش نظيفة، بل لأن المؤسسة العسكرية منذ الرئيس فؤاد شهاب هي بالنسبة للبنانيين رجاء ولادة دولة، وغدت هذه المؤسسة لاحقاً وفي مراحل مختلفة، جاهزة لأن تكون "قائمقام السلطات"، بصرف النظر عن القادة الثلاثة الذين توالوا على كرسي بعبدا، وأراد الشعب اللبناني من كلٍّ منهم أن يكون فؤاد شهاب ولكن، غادر الرئيس إميل لحود مُغضِباً 14 آذار، وغادر الرئيس ميشال سليمان مغضوباً عليه من 8 آذار، وغادر الرئيس ميشال عون مع غضب متبادل من غالبية الجميع، ربما لأنه "نكش" أكثر من سواه تحت عتبة باب مغارة علي بابا، في محاولاتٍ منه لاستعادة دولة فؤاد شهاب ولكن، كيف يكون له هذا بوجود لصوص تفرضهم التوازنات؟!
وسواء كانت الأسماء المدنية المتداولة على بورصة الترشيحات، تتراوح بين زعيم وزويعم، فإن المشكلة/ المعضلة، أن لبنان يعيش منذ الطائف أغرب نظام محاصصة تحت مسمى "الترويكا" أو الرؤوس الثلاثة، وهي منذ عهد الرئيس الياس الهراوي، وقبل قدوم الرؤساء العسكريين الثلاثة، لحود وسليمان وعون، بما يعني أن اقتسام هيبة الكرسي الأول في لبنان مع الكرسيين الثاني والثالث بات من قبيل التحصيل الحاصل، سواء كان رئيس الجمهورية قادماً من المجتمع المدني أم مكللاً بالنجوم العسكرية، وبالتالي، عليه أن يخلع عنه بذلته القديمة ويعتمر الطائف!
وقد يتساءل البعض عن جدوى قدوم رئيس للجمهورية من اليرزة، ما دام دوره على الكرسي مُحدد بصلاحيات هذا الكرسي، والجواب ليس صعباً:
أمام مشهدية بعض المرشحين المطروحين كما الفجل على بسطات الخضار في "بيعة مسا"، لا أسف على كل الفجل الذابل من هذه الطبقة السياسية العفِنة، ما دامت عيون اللبنانيين ذابلة، وقلوبهم ذائبة، وعقولهم تكاد تسكن العصفورية، وأحلامهم ارتحلت الى حيث صخرة الروشة، وإذا سُئلوا رأيهم أي رئيس يريدون، غالبيتهم سوف تلتفت ناحية اليرزة، ليس بالضرورة لشخص القائد الحالي للجيش، بل لأي شخص سبق له أن مرّ بهذه المؤسسة، ونهل مناقبيتها، وحمل منها مواصفات اللبناني النقي الآدمي، والقوي بما بقي له من صلاحيات، ولا يُهادن لصوص المزرعة حتى ولو دفع الثمن الذي دفعه ميشال عون في زمنّ ممنوع فيه الحُكم على كل شخص آدمي، لكن حسبُ الرئيس عون أنه حاول حتى الرَمَق، وعسى أن يرزقنا الله مثيلاً له...