أقلام الثبات
حجم الكارثة في التعاطي السياسي وإدارة شؤون البلد، ليس في اللقاء الذي تمّ بين النائب جبران باسيل والنائب السابق وليد جنبلاط مؤخرا ، لأن اللقاء بين أي طرفين في لبنان مطلوب، بل المشكلة في موضوع اللقاء بعد عداء، من أجل تسهيل التمديد لرئيس الأركان اللواء أمين العرم المحسوب على جنبلاط، لدى وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على باسيل، بعد رفض سليم اقتراح قيادة الجيش التمديد لإثنين من كبار الضباط بلغا سن التقاعد، والعرم أحدهما!
لسنا هنا نتناول أموراً تتعلق بالمؤسسة العسكرية، سواء تم التمديد لزيد أو تعيين عبيد مكانه، التمديد لأمين العرم أو تعيين أي ضابط آخر سيكون حتماً من حصة وليد جنبلاط، بل الأمر يكمُن في استهانة التعاطي مع مشاعر الناس، وأن يحصل "لقاء الأعداء" بعد أن أمطرت الدنيا أحقاداً وسجالات إعلامية على مستوى قيادات الطرفين قبل أشهر من الإنتخابات النيابية الماضية وخلالها وبعدها، ثُم تحدُث الأعجوبة، ويحصل اللقاء، الذي كان مقرراً على غداء في دارة جنبلاط بكليمنصو، ويُنقل لاحقاً الى أرض محايدة في دارة والد صهر المختارة بيار الضاهر.
وكائناً ما كان مكان اللقاء، فهو لا يستحق قرع الأجراس، لأن الشعب اللبناني مع احترامه لقيادة الجيش بأركانها وضباطها وجنودها، ماذا يهمه من التمديد لهذا أو ذاك في أية مؤسسة عسكرية أو مدنية في هذه الدولة؟ طالما أن كل الدولة في غيابٍ تام عن أبسط واجباتها أمام طوابير الجوع، نعم طوابير الجوع الكافر القهَّار، وخسىء كل من يستهين بوجع الناس كائناً من يكون، خصوصاً أولئك الضحايا البسطاء من المُحازبين، الذين يستوردون ردود الفعل الى بيئتهم: كلما كشَّر زعيمهم عن أنيابه بوجه خصم كشَّروا معه، وكلما حان وقت التهدئة الكاذبة شاركوا في حفلات دعارة التحابب!
يؤسفنا القول، أن موضوع لقاء باسيل - جنبلاط، هو لقاء من الدرجة الثالثة رغم أنه حصل بين قطب ماروني وقطب درزي من الصف الأول، لأن انحدار القدرة لدى الأقطاب في لبنان من مستوى البحث بانتخابات رئاسة الجمهورية ووضع حكومة تصريف الأعمال وتقطيع الوقت، الى مستوى التمديد لضابط وتعيين آخر، هو تمديد للأزمة الكارثية التي يعيشها شعبنا مع طبقة سياسية تدبك على عظام صدره وترقص على خواء البطون من أجل محاصصة رخيصة! وإذا كان "الأقطاب" في لبنان يعيشون العجز عن بحث أمور مصيرية، وأنهم كما تفتَّقت قريحة البطريريك الراعي في توصيفه وضع لبنان بلا رئيس، كالجسم بلا رأس، فمَن من اللبنانيين يُعطي لنفسه حق البحث بانتخاب رئيس طالما القُطب حدوده التمديد لموظف، والنائب شكل كرتوني في فولكلور جلسات انتخابية تافهة، والوزير يُصرِّف أعماله على هواه، أحياناً تحت جناح رئيس حكومة تصريف الوقت، وأحياناً أخرى يفتح على حسابه الخاص!
على كل حال، اعتدنا على تكويعات السيد وليد جنبلاط، ومبارك لكل مَن يلاقيه على كوع في بلد مراعاة المصالح الخاصة والمحاصصة العامة ولكن، جنبلاط لم يعُد بيضة القبان، لأن وزنه بات من وزن سواه، ومركز ثقله في عين التينة، فيما عين التينة ذكر باسيل ثقيل على قلبها، وإذا كان باسيل خفيف على قلب "مار مخايل" وهو كان من واضعي وثيقة التفاهم، لكنه لم يستفد منها في معاركه التي يُعلنها لبناء الدولة، ولا هو استفاد من التحالف مع "دويلة السلاح" التي طالما وصَّفها بذلك وليد جنبلاط، السلاح الذي ذهب باسيل من دونه الى الصيد مع وليد بك الذي لا يعرف أحدٌ سوى الله سبحانه، في أي اتجاه سوف "تقوِّص"!
والنائب باسيل ليس فقط رئيساً للتيار الوطني الحر، ولا هو فقط رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية، ولا هو فقط رمز مسيحي رافض لجماعات "الكنتنة" سواء كانوا في المختارة أو معراب، بل نعتبر جبران باسيل مسؤولاً عن الحالة العونية وأمام الحالة العونية في التيار، التي أطربها قرع أجراس "مار مخايل" ومهما رافق قرع تلك الأجراس من نشاز، ستبقى تلك الوثيقة مدماكاً لبناء دولة في يوم من الأيام، وإلى ان يحين ذلك اليوم، لن يقرع العونيون أجراسهم لأحد خارج التفاهم الوطني الشامل، خصوصاً لمَن صادر أجراسهم وما زال بعضها في عهدته مرمية كما الخردة في أقبية المختارة...