أوروبا: أزمات متعددة ورؤوس أينعت‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 20 كانون الأول , 2022 09:07 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

يزداد الوضع تأزماً في القارة الأوروبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ليس بسبب الحرب الدائرة في أوكرانيا وحسب, وإنما بسبب السياسات التي يعتمدها القادة الأوروبيون, مضافاً إليها لعنة الفساد التي تضرب أرقى مؤسسات الاتحاد، فيما تشهد بعض البلدان الأوروبية جنوحاً ليس بسيطاً باتجاه القمع, وهو ما شهدته في الأيام الأخيرة العديد من البلدان الأوروبية ولا سيما فرنسا وبلجيكا، وصولاً إلى إقفال مؤسسات إعلام دولية بسبب تأثيرها على الرأي العام لكشفها حقائق فضحت المستور من التلاعب الأميركي في المواجهة الكبرى مع روسيا, واستخدام الدول الاوروبية جماعة وفرادى لتحقيق الخطط الاميركية, دون الأخذ بمصالح شعوب أوروبا.

لقد اتخم الغربيون العالم بمحاضرات العفة وضرورة محاربة الفساد كنتاج لمحاربة الديكتاتوريات, وإحلال الديمقراطية والحرية, فأنشؤوا ما سموه منظمات الشفافية الدولية التي ركزت على أن "حقوق الإنسان ليست مجرد شيء يُستحسن أن يكون موجوداً في جهود مكافحة الفساد. فالنهج الاستبدادي يدمر الضوابط والتوازنات المستقلة ويجعل جهود مكافحة الفساد تعتمد على أهواء النخبة. إن ضمان قدرة الناس على التحدث بحرية والعمل بشكل جماعي لإخضاع السلطة للمساءلة يمثل الطريق الوحيد المستدام للوصول إلى مجتمع خالٍ من الفساد". وقد تبين ان غالبية المنظمات ذات صلة ليست إلا ترويجاً لتخريب المجتمعات وإبعادها عن قضاياها الأساسية.

هناك نموذجان طازجان عن الفساد الفاضح حالياً, أحدهما فردي, والآخر جماعي, لقد حدثت وقائع الاول في ألمانيا, وبالأخص في درع الحماية العسكرية ويتمثل بتزويد وزارة الدفاع الألمانية قواتها بمدرعات قتالية من طراز Puma، وآليات قتالية فيها أعطال فنية وتقنية كبيرة. وأوضح اللواء روبريخت فون باتلر، في رسالة وجهها إلى وزيرة الدفاع الألمانية، بأن جميع ناقلات الجنود المدرعة المحدثة من طراز Puma، ودبابات Leopard 2، تعطلت عن العمل خلال التدريبات، بسبب أعطال إلكترونية وفنية. وأوضح فون باتلر، أن 18 أعطبت وتوقفت عن العمل، واشتعلت النيران في عدد منها خلال الأسبوع الأول من التدريبات، كما خرجت آخر دبابتين Puma من الخدمة بسبب خلل في أبراجهما.

لقد استنزفت أوكرانيا احتياطات الدول الأوروبية من الأسلحة, وباتت المعاناة شاملة وامتدت الى بريطانيا, وتم رصد ميزانيات كبيرة لإعادة التسليح, وهنا تجدر الإشارة إلى أن ألمانيا وحدها التي شهدت فضيحة تحديث مدرعاتها بكلفة عالية ولم تتجاوز الاختبار العملي, رصدت مئة مليار يورو للتحديث وإعادة التسلح, والسؤال كم سيكون نصيب الفساد من هذا الحجم المخيف من الأموال على مستوى دولة واحدة, هي ألمانيا التي يحاول قادتها الحاليون وعلى رأسهم اولاف شولتس الهروب إلى الأمام, تارة بالهجوم على روسيا, وطورا بنيته تأسيس قوة خاصة من 30 ألف جندي لرفد الناتو, وطورا باللجوء الى ترهيب المجتمع من خلال اعتقال معارضين بتهمة التحضير لانقلاب كان سيحصل لو نباهة أمنه.

النموذج الثاني الذي هز الاتحاد الاوروبي بكليته, هو اعتقال أربعة أشخاص يعملون في البرلمان الاوروبي بتهمة "المشاركة في منظمة إجرامية وغسيل الأموال والفساد"، بمن فيهم نائبة رئيس البرلمان اليونانية إيفا كايلي. ومن بين الموقوفين الأربعة مساعد برلماني ملحق بكتلة الاشتراكيين والديموقراطيين، هو رفيق إيفا كايلي، وكذلك النائب الإيطالي السابق في البرلمان الأوروبي بيير أنتونيو بانزيري، والاثنان الآخران هما مدير منظمة غير حكومية(NGOs ) وقيادي نقابي إيطالي.

طبعاً ليست المرة الأولى التي يكشف فيها عن فساد مالي في المجموعة الأوروبية – كمجموعة- لكن الزخم الممنوح للعملية الأخيرة, ونشر الصور عن عملية الاعتقال, ومن ثم نشر صور وفيديوهات عن المصادرات المالية – الرشى- يؤشر على رفع الغطاء السياسي عن الذين ازكمت روائح فسادهم الأنوف في ظل الأزمات التي تجتاح الدول الأوروبي, والانبطاح السياسي من جانب قادة أوروبا, الذين يحاولون الهروب الى الأمام لتبرير ارتكاباتهم السياسية حيث الفساد الأكبر. والبحث عن تقديم ضحايا كرشى أيضا للجمهور بعد فشل هؤلاء القادة في حل الازمات الاقتصادية والاجتماعية المتعاظمة, وأولها مسألة الغاز والوقود, فوفق مكتب المدعي الفدرالي، فإن التحقيق الذي يقوده قاض في بروكسل، يدور حول تصرفات "دولة خليجية" يشتبه في أنها "تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية للبرلمان الأوروبي، وذلك عبر دفع أموال طائلة أو تقديم هدايا كبيرة"، أما المستفيدين من هذه المبالغ والهدايا، فهم أشخاص " لديهم مناصب سياسية أو استراتيجية" داخل البرلمان الأوروبي".

إن المعتقلين متهمون بمحاولة تحسين صورة قطر كدولة مضيفة لكأس العالم، مقابل مكافأة سخية من الدوحة. والحقيقة أن قطر نفت "صحة الشائعات" التي تربط قضية الفساد المتهمة بها كايلي، مؤكدة أن "الدوحة ترفض وتدين الادعاءات المزعومة وأن "هذه المعلومات مضللة وخطيرة", لا بل أن قطر دفعت الأمور إلى تصعيد جديد قد يؤثر الى امدادات الغاز لأوروبا العطشى للمادة التي تكاد تكون مسألة حياة أو موت في ظل الرفاهية التي اعتاد عليها الأوروبيون وقال دبلوماسي قطري أن ذلك قد يؤثر سلباً على العلاقات، وإمدادات الغاز القطري لأوروبا. و"إن قرار فرض مثل هذه القيود التمييزية التي تحدّ من الحوار والتعاون، على قطر قبل انتهاء التحقيق سيؤثر سلبا على التعاون الأمني الإقليمي والعالمي، فضلا عن المحادثات الجارية حول نقص وأمن الطاقة العالميين".

لقد فتحت أوروبا المرتبكة على نفسها باباً جديداً للصقيع بأيديها, وسط تظاهرات شعبية عارمة تجتاح العديد من المدن تطالب بوقف العداء لروسيا , بينما السياسيون يوسعون قائمة الأعداء, وينسترون على الفساد ويبررون الاداء بزعم أن الديمقراطية الغربية تتعرض لهجوم معاد, من دون إعطاء سند واضح لكلامهم الشعبوي ومن وراء التهديد, والأخطر ان رئيسة البرلمان الاوروبي ميتسولا اعتبرت إن" التحقيق الجنائي بقضية الفساد المذكورة , يضر بالديمقراطية، وأوروبا، وكل شيء ندعمه.. لقد استغرق بناء الثقة سنوات، لكن يكفي لحظات فقط لتدميرها.. ولا بد أن يبدأ العمل لاستعادة (الثقة) الآن. "

من الغريب ان يصدر مثل هذا الكلام عن رئيسة البرلمان الاوروبي بان التحقيق الجنائي سيشكل كل تلك الاضرار للهيئات الاوروبية وتلك المدعومة من الاتحاد , الا اذا كان الفساد عميماً, وسيطيح برؤوس كثيرة من فوق الى تحت، وبالأخص في منظمات اNGOs التي أينع رأسها, وفي الحالين, فإن الثقة تبخرت.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل