أقلام الثبات
كيف تصدى الرئيس لحود للفساد وما دور الحص وحكومته ؟
مع انتخاب الرئيس إميل لحود لمنصب رئاسة الجمهورية ، سرت في البلد ، أجواء الأمل والتفاؤل ، بأن عهدا جديدا يبشر اللبنانيين بالخير والاستقرار والتقدم ، وخصوصا أن الأرقام كانت تشير الى المأزق المالي والاقتصادي الذي بدأ يدخله البلد منذ العام 1995 ، حيث ارتفع عجز الخزينة وازداد الدين العام الذي لم يتجاوز قبل العام 1992 الملياري دولار في معظمه دين داخلي الى أكثر من سبعة أضعاف ، وصرنا كمن يلحس المبرد ، وخصوصا بعد ان طرحت الحكومة التي كان يشغل منصب ماليتها فؤاد السنيورة تحت اسم " وزير الدولة للشؤون المالية " مشروع قانون بتحويل الدين العام بالليرة الى دين بالدولار بذريعة أن الفائدة على العملة الخضراء هي أقل بكثير من الليرة ، ولم تستمع الحكومة ولا المجلس النيابي للأصوات النيابية المعترضة على هذا النهج الخطير الذي يحول الدين الداخلي الى دين خارجي ، فأقره المجلس النيابي وصدق ورفعت الجلسة .
بين عامي 1992 – 1998 ، كان ما أطلق عليه مشروع إعادة الإعمار الذي تم تمويله عن طريق الاقتراض، وأدى ذلك إلى عبء ديون حكومية ضخمة. كما تم تخفيض الضرائب لجذب المستثمرين وتشجيعهم. وهذا بدوره أدى إلى تقشف حاد في الميزانية، نتج عنه استثمار محدود فقط في البنية التحتية الاجتماعية وتزايد الاعتماد على الضرائب غير المباشرة. ولم يلق الاقتصاد المنتج أي اهتمام او تشجيع ، وبالتالي اتسعت الفجوة أكثر بين الأغنياء والفقراء، وبين بيروت والمحافظات النائية. في عام 1998، أصبحت نسبة ضئيلة من اللبنانيين غنية جداً، يقدرها البعض بواحد أو اثنين بالمئة ، في حين أن واحداً من ثلاثة لبنانيين كان يعيش تحت خط الفقر.
عام 1998 تم انتخاب قائد الجيش اللبناني العماد إميل لحود رئيسا للجمهورية الذي حمل خطاب قسمه خطوطا واضحة لعهده ،حيث أكد انه " لا يجوز أن يكون الفقر مانعًا للعلم. ولا يجوز أن يكون الفقر مانعًا للصحة. ولا يجوز أن يكون الفقر مانعًا للعمل. ولا يجوز أن يستمر الإجرام البيئي. ولا يجوز أن يبقى مهجّر خارج أرضه. ولا يجوز أن ينسى المهاجر الوطن. ولا يجوز رهن السياسة بالطائفيّة". وقال: "أنا لا أدّعي أن لديّ عصًا سحريّة تلبي الآمال بين ليلة وضحاها، ولكن لدي النيّة والإرادة، ويدي ممدودة للجميع في كل ما هو خير وصواب وعدل".
ومما أكد عليه في خطاب القسم : "الناس كل الناس يدركون عمق الازمة المعيشية وحقهم حين نطلب منهم المساهمة في حلها، وهم مستعدون. حقهم ان يسألوا عن نوع السياسة الاقتصادية والمالية التي ترعاهم ما هي اعباؤها وكيف تراكمت والى اين ستقود؟ كما ان من حقهم ان تكون لهم سياسة ضريبية متوازنة وعادلة. تتوزع فيها النسبة على الثروة فلا يحمل المحتاج اعباء المقتدر" .
كما أعلن في خطاب القسم أن " أي مرتكب، ولو مهما كان قريباً منه، يجب أن يحال الى العدالة ".
وبعد اسبوع اتصل به المدعي العام المالي طالباً مقابلته، فقال للمتصل: «أنا كرئيس جمهورية لا أتواصل مع القضاة، فردّ القاضي: القرار للرئيس حسب القانون… وفعلا زاره القاضي المذكور الساعة 11 ليلاً ليبلغه بأن وزيراً مقرباً مني في الحكومة السابقة مرتكب وتأكدت التهمة عليه، ويمكن إحالته الى المحكمة العادية فيدخل السجن لمدة 30 سنة، ولكن إذا كنت ترغب يمكن إحالته الى هيئة محاكمة الرؤساء والوزراء فيعلن بريئاً، وهنا سأله الرئيس لحود : هل القانون يسمح بإحالته الى المحكمتين؟ فأجاب: حسب القانون يجب أن يحال الى المحكمة العادية، لكن من أجلك يمكن أن نجد استثناء… فطلب منه البقاء، واتصل بالمدعي العام التمييزي القاضي عدنان عضوم ولم يكن يعرفه شخصياً، وقال له بأن المدعي العام المالي يحاول رشوة رئيس الجمهورية، فأطالبك بإقالته فوراً وتعيين من تراه مستحقاً وأنا لا اتدخل لتسمية أحد. في اليوم الثاني، باشر كل القضاة النزهين فتح الملفات بحق الوزراء وموظفي الفئة الأولى من دون الرضوخ للضغوط، فيما لم يتحدّث رئيس مع أي قاضٍ في شأن أي ملف.
بعد نحو شهرين من ولاية العهد الجديد ، زار مسؤول لبناني كبير آتياً من الشام، الرئيس لحود وأخبره بأنه طلب من عبد الحليم خدام التدخل معه من أجل بعض المطلوبين كما كان يفعل مع الرئيس الياس الهراوي، فأجابه خدام بأنه لم يكن يستطيع أن يكلمه عندما كان قائداً للجيش، وبالتالي لن يستطيع وهو رئيس للجمهورية. وقال المسؤول: جئت لأطلبها منك شخصياً بلا زيارة عنجر ولا الشام، فرد الرئيس لحود : أنا لا أريد شيئاً لنفسي ومن حظنا أن الرئيس سليم الحص لا يريد شيئاً لنفسه ايضاً، فلنضع أيدينا معاً لوقف الفساد ولن أتدخل مع أي قاض، فغادر وهو يردّد: كنت أظن أنك تريد مساعدتي .
وهكذا بدأت حملة واسعة على الرئيس اميل لحود ، وعلى رئيس حكومة العهد الأولى ، كان أولها الخوف على انهيار سعر صرف الليرة ، معتبرين ان استقرارها رهن بالرئيس رفيق الحريري ، فكان الرد الحاسم من الرئيس لحود الذي استدعى حاكم مصرف لبنان ، مؤكدا له ان أي تلاعب بسعر الصرف تتحمل مسؤوليته شخصيا ، ولوحظ انه بعدها بدأت الحملة على الحص وعلى لحود ، وتبين أن ثمة ضغوطاً كبيرة باتت على القضاة من قبل بعض اللبنانيين المعتادين على الفساد بمساعدة بعض السوريين . وكما يؤكد الرئيس لحود "أن ثمة منظومة مالية لبنانية سورية، لا منظومة أمنية سورية لبنانية، كانت تتحكم بالأمور".مشيرا كيف "بدأ عندها خروج المتورطين واتهامه بالكيدية، علماً انه لم يضغط لتوقيف أحد ولا لإطلاق أحد بل ترك القضاء يأخذ مجراه".
وما يمكن تأكيده أن حكومة عهد الرئيس اميل لحود الأولى برئاسة الدكتور سليم الحص وضعت خطت الإصلاح المالي التي سمحت للبنان الصمود حتى العام 2019 مع بدء الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي .فهي التي وضعت أسس استرداد الخلوي الذي حاول الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان يمنعه فكان ان هدد الرئيس لحود بالخروج من مجلس الوزراء للتصريح: "أيها اللبنانيون الوزراء يسرقونكم» بعد مواجهة مع الرئيس رفيق الحريري، وكيف أصبح هذا القطاع يدر الأموال للدولة بعد تنفيذ خطته، فأصبحت الأرباح، بدلاً من 300 مليون دولار سنوياً، ملياراً و800 مليون دولار في السنة. بالإضافة الى الضريبة على القيمة المضافة التي وضع أسسها وزير المال في حكومة الرئيس الحص د. جورج قرم ونفذها السنيورة ، وصار الخلوي والضريبة الجديدة المورد الرئيس للخزينة ، إضافة الى الموارد المالية الكبرى التي وفرها الحدث العظيم عام الفين بدحر الاحتلال الصهيوني ، وما استتبع هذا الحدث من حج الى لبنان من المغتربين اللبنانيين ، ومن وفود عربية ودولية صرفت مليارات الدولارات فكان صيف عام 2000 من اهم مواسم السياحة في تاريخ لبنان . (وللبحث صلة )