أقلام الثبات
منذ ما قبل دخول لبنان مرحلة الفراغ الرئاسي، يزداد يوماً بعد يوم التشنج السياسي اللبناني، وتزداد معه الخطابات المذهبية والطائفية التي تحاول أن تجعل كل منطقة لبنانية وكأنها جزيرة منعزلة ومنفصلة بذاتها عن المناطق الاخرى. وتزداد مع الخطابات الطائفية، دعوات مختلفة منها ما يدعو الى تطبيق الطائف، ومنها ما يدعو الى تدويل القضية اللبنانية، وبعضها يدعو الى تطبيق اللامركزية التي أدرجت بالطائف واقعياً حتى لو لم يتم إقرارها عبر القوانين، وفي وقت سابق تمت الدعوة الى تطبيق الحياد.
وفي كل الأحوال، وبغض النظر عن الأسباب والأهداف التي تدفع الأطراف المعنية الى تلك الدعوات، يجب لفت النظر الى أن لبنان كدولة – حاجز لا يختلف كثيراً عن دول- الحاجز في العالم وعن التحديات التي تواجهها في سياساتها الخارجية، لذا هو محكوم بخيارات محدودة.
الدولة – الحاجز هي دولة صغيرة جغرافياً تقع بين محورين يتجاذبان حول ممارسة النفوذ والسيطرة عليها، وعادة ما تكون تلك الدول محكومة بأربع خيارات في سياساتها الخارجية:
1- الخيار الأول: الحياد. لكن يجب أن يتفق المحورين على حياد الدولة الحاجز، فتنعم بالاستقرار، وإلا فإن رفض أحدهما أو كليهما القبول بحيادها يعني أن مبدأ الحياد ساقط وغير قادر على التحقق.
2- الخيار الثاني: أن تصبح تابعة كلياً ومحمية من قبل محور من المحاور، وهنا يمكن أن تتمتع أيضاً بالاستقرار النسبي على أساس أن حمايتها واستقرارها لا يتأتى من سياساتها الخارجية بل من قدرة الدولة – الراعية لها.
3- الخيار الثالث: أن تتحول تلك الدولة الى ساحة صراع بين المحورين، وهو ما يحصل في لبنان اليوم، وما حصل خلال فترة الحرب الأهلية وقبلها حين أصبح لبنان ساحة اقتتال بالوكالة بين المحاور المتصارعة في المنطقة.
4- الخيار الرابع: ان يتم تقسيم تلك الدولة: وقد يتم ذلك عبر تقسيم فعلي فيسيطر كل محور على جزء من تلك الدولة أو على عبر تقاسم نفوذ بين المحورين في تلك الدولة وهو ما حصل في اتفاق الطائف، وهو ما حصل في الفترات التي عاش فيها لبنان هدنة أو استقراراً سياسياً لفترة قبل أن يتحوّل مجدداً الى ساحة صراع.
عملياً وواقعياً، يعيش اللبنانيون منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في فترة تنازع بين محورين، جعلت لبنان ساحة صراع بينهما، بعد فترة ما يقارب 15 سنة من الاستقرار النسبي الذي حققه اتفاق الطائف، والذي نقل لبنان من الحالة الثالثة الى الحالة الرابعة، فتم تقسيم النفوذ بين المحاور، وتقاسمت السعودية وسوريا حكم لبنان برعاية أميركية سميت في لبنان اصطلاحاً "معادلة س-س". انهارت التسوية كلياً بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وما زال لبنان يعاني من نتائج انهيارها لغاية الآن.
ما يجب السعي إليه الآن، هو تسوية مقبولة من المحورين، تعيد توازن النفوذ بينهما في الساحة اللبنانية، وتدخله في فترة من الاستقرار النسبي(الهدنة)، والى أن يحصل ذلك، فإن كل ما يحصل لا يعدو كونه محاولات من قبل الاطراف المختلفة لتحصيل أوراق قوة تعطيها مكاسب في التسوية القادمة.