أقلام الثبات
بصرف النظر عن الذين حضروا جلسة مجلس الوزراء يوم الإثنين، بدعوة من الرئيس نجيب ميقاتي، وعن الذين غابوا من الوزراء وبرروا رفضهم انعقاد الجلسة، ببيان أسهبوا فيه بشرح المواد التي تحظر ما اعتبروه مخالفاً للدستور، في حكومةٍ هي بالأساس مستقيلة منذ إجراء الانتخابات النيابية في أيار 2022، وكان الرئيس ميقاتي لأشهُر يحمل الكرات الثلاث، بل يحتضنها: التصريف والتكليف والتأليف، وحدها هي الحسابات الطائفية الخطيرة في لبنان، جعلته لغاية الآن، "حديدان الميدان"، يلعب في منطقة الجزاء وبالوقت الضائع، بانتظار الكرة التي يتقاذفها السياسيون لإدخال رئيس جمهورية الى مرمى بعبدا ، وتنتهي المباراة المُقززة!
وكيفما كان سيناريو عقد جلسة لحكومة تصريف أعمال مقبولة استقالتها من رئيس الجمهورية، وبصرف النظر عن "الوزير الملك" الذي أكمل النصاب القانوني، وعن تفاصيل الوقائع خلال الجلسة وبعدها، تبقى هذه الأمور مجرد تفاصيل أمام الحقيقة التي لا يرغب البعض قراءتها، أن ما حصل، هو أشبه برفع راية التحالف الرباعي بوجه التيار الوطني الحر، بصرف النظر عن عدد القوى التي تكتلت لعقد جلسة هي بنظر التيار غير دستورية.
وبما أننا في أجواء المونديال، فإن معركة تكسير العظم الفعلية، هي حصراً بين فريقين يخوضان معركة وجودية على المستوى السياسي، وهما السُنَّة والموارنة، ودور باقي الفرقاء في الملعب، إما لجان تحكيم أو على مدرجات الجماهير للفُرجة!
واقع السُنة اليوم، أن موقع رئاسة الحكومة لديهم هو كرامة طائفة ممنوعٌ التقليل من دورها، حتى ولو لامست حدود غيرها، وحتى لو تصرَّف الرئيس نجيب ميقاتي وكأنه "قائم مقام رئاسة الجمهورية" لا بل وأكثر، استطاع أن يُحجِم عن تشكيل حكومة ويرمي الكرة لسواه وعلى سواه، و"يُدستر" الأمور بما يحفظ مقام الطائفة، وواجبه الطائفي في هذا الأمر مضاعف، خاصة أنه يحاول إملاء فراغ بيت الحريري، ويجب بنظره، أن يكون أداؤه مقبولاً من دار الفتوى، رغم أنه ليس قبلة الجماهير الشعبية لا في الشارع السُني ولا اللبناني العام، مع التنويه هنا، أن الشيعة يحترمون خصوصية السُنة كائناً مَن كان في السراي، والسُنة يُبادلونهم التعامل بالمثل لحسابات هي إقليمية كبيرة.. وكبيرة جداً.
ننتهي من الخلاصة لواقع الفريق السُني وتحديد وضعية "حديدانه" الحالي، وننتقل الى الملعب الماروني حيث كل لاعب فيه يرى نفسه "حديدان"، والأبرز بينهم هو المرشح الأوحد لرئاسة الجمهورية النائب ميشال معوض. وبما أن النائب معوض صرَّح عدة مرات أنه مستعد مغادرة ساحة المعركة لأي مرشح سيادي، نجده هنا أذكى من الجميع في شراء الوقت رغم استحالة وصوله الى بعبدا، لأن الاختلاف على مفهوم السيادة يُقسِّم المسيحيين أكثر مما هُم عليه، ويتمترسون على بعضهم أكثر فأكثر، وينخرطون من جديد في محورين إسلاميَّين، كما قال عنهم البطريرك الراعي يوم كان مطراناً على جبيل: المسيحيون قسمان، مسيحي شيعي ومسيحي سُني، في توصيفٍ منه للتموضع السياسي، حيث التقاتل الحاصل فيما بينهم ليس أكثر من دفاع عن "دجاجات الجيران"، التي ما استفادوا لا من بيضها ولا من لحمها.
هنا نروي هذه الواقعة، التي حصلت منذ عدة سنوات خلال انتخابات بلدية واختيارية، في قرية جنوبية لبنانية مارونية بالكامل، ما عدا بيت واحد من الروم الكاثوليك: وصلت الأمور بالعائلات المارونية في تلك القرية الى حدود التذابح من أجل مركز المختار، وبهدف كسر الشرّ وتحاشي تكسير الرؤوس بينهم، استقرّ الرأي على انتخاب الكاثوليكي الوحيد مختاراً بالتزكية، وهكذا حصل. ولأن واقع "حديدانات" الموارنة باقٍ على ما هو عليه بوجود هكذا زعامات، فلن يصل الى بعبدا سوى من يرتضيه ويتوافق عليه المسلمون مع جزء من الفريق المسيحي- من قبيل رفع العتب- وإلّا، سوف تستمر لعبة تكسير الرؤوس المسيحية، المعزولة عن وجع الأجساد الشعبية المسيحية والنفوس المُعذَّبة، الى أن يأتي الكاثوليكي أو سواه، مختاراً على القرية المارونية !!!