أقلام الثبات
لم يكتفِ القابعون في السلطة والقاعدون على صدور اللبنانيين، من حرمان الشعب حتى من مشاهدة مباريات كأس العالم الجارية قي قطر، بل زادوا الطين بِلَّة، عبر تقاذف كرة الفساد حول قيمة بدل نقل مونديال 2022، بالمقارنة مع المونديال الماضي عام 2018، والتي تبيَّن أنها كانت يومذاك خمسة ملايين دولار، فيما البعض يتهم البعض الآخر بسرقة خمسة ملايين أخرى عبر الإعلان أن الكلفة بلغت عام 2018 عشرة ملايين.
دخل القضاء على الخط، ويستحق دخوله "شمعة على طوله"، في مطالبته وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد المكاري، بالوثائق المتعلقة بهذه الفضيحة، خصوصاً بعد أن تفاعل الرأي العام بقذف اللعنات على تغريدة النائب القواتي غياث يزبك، التي تتضمن اعترافاً صريحاً بما ارتكبه زميله ملحم رياشي، يوم كان وزيراً للإعلام عام 2018، مع تبرير وتحليل "الشفط" من المال العام، وبالتالي من الشعب اللبناني كما اعترف في تغريدته: "التطاول على الرفيق ملحم رياشي أمر مرفوض، وخصوصاً أن المبلغ هو فقط 5 ملايين دولار، وهذا من حقه وحق "القوات اللبنانية"، من أجل التمويل الحزبي والشخصي.. العبوا غيرها"!!!
المفاجئ في هذه الفضيحة، أن "القوات" وقائدها ونوابها، هم من كانوا على الدوام أكثر الخطباء في العفَّة، وأن أداء وزرائهم نظيف، وأنهم خارج منظومة الفساد الملعونة التي تنهب منذ بداية التسعينات. ولذلك، فإن مسألة متابعة سرقة الخمسة ملايين دولار عام 2018، لا يجوز انتظار القضاء لدراستها "سلحفاتياً"، بل يجب المباشرة فوراً بمساءلة النائبين يزبك ورياشي وأمثالهما من جميع الفرقاء الميليشياويين سياسياً وشعبياً.
"الطوباوية" التي اتشحت بها معراب ببركة من بكركي منذ زمن البطريرك الراحل صفير، ومُدِّدت في زمن البطريرك الراعي، قد انتهت صلاحيتها، خصوصاً أن بكركي لم يعد بإمكانها احتساب فريق سياسي مسيحي عليها دون باقي الفرقاء، ولا تستطيع خوض معركة رئاسة الجمهورية بمرشح يحمل توجهات هذا الفريق، الذي يستخدم ميشال معوض كما ورقة الجوكر المحروقة سلفاً، ولو أن بكركي أدركت أخيراً، أن أي مرشح آخر من طرف هذا الفريق هو مرفوض مسيحياً قبل أن يكون مرفوض لبنانياً، وهي، أمام انعدام الأمل بجمع الزعماء المسيحيين ولو على فنجان قهوة، يبدو أنها أجرت مؤخراً مراجعة حسابات لحفظ ماء وجه دورها الرمزي بمعركة رئاسة الجمهورية.
ولأن صوت بكركي غير مسموع سياسياً إذا بقي على نفس الوزن النمطي للخطب التي يلقيها البطريرك الراعي في قداسات الأحد، فإن إعادة الانتشار لمواقفها باتت واجبة للخروج من مأزق تقزيم نفسها، وربما يكون تخفيف خط الهجوم المونديالي للبطريريك على الآخرين بات ضرورة، لمصلحة خط الدفاع، عبر تعزيز خط الوسط. واللعب بخطة أربعة أربعة إثنين، ما يُحتِّم على بكركي فتح ثغرة تفاهم بينها وبين حارة حريك بلاعبين ليس بالضرورة أن يكونوا من الصف الأول، ولو أن المشاورات تحصل بخجل حالياً، لكن لا بديل عنها لتحقيق الهدف المشترك وبلوغ مرمى بعبدا تمهيدا لإيصال الفائز بالبطولة.
وقد يقول قائل، أن بكركي لا تمون على جماعتها بهدف تسويق اسم مرشح تتوافق على اسمه مع حارة حريك وسواها في الفريق الآخر ولكن، على الأقل، بكركي سوف تنزع البركة عن كل من يعصى تعليماتها، وتطرد من تحت عباءة البطريرك كل من يستخدم هذه العباءة للخصومة السياسية مع فريق المقاومة والحلفاء، خصوصاً أن تقطيع الوقت بالمرشح ميشال معوض بات مهزلة لا يستسيغها كل من يعيش واقع التوازنات اللبنانية، وبالتالي، مواصفات الرئيس الذي يمكن كسب المونديال اللبناني به، لا يجب أن يكون نقيضاً لوطنية وحجم ومواقف أمثال إميل لحود أو ميشال عون، مهما طال زمن المباراة النهائية ومهما طال التهديف الخائب في الوقت الضائع، ما دام رأس المقاومة هو مطلب الخائبين، وما دامت المقاومة باقية في قلب المعادلة الثلاثية على أرض الملعب الوطني، من خط الدفاع الى خط الوسط، الى خط الهجوم عند اللزوم لمواجهة أي اعتداء على السيادة أو على مكتسبات ملف الترسيم والسلام...