أقلام الثبات
إيجابية هامة, وربما الأهم أظهرتها يوميات "مونديال قطر ", تمثلت برفض الشباب العربي من كل الاقطار , التعاطي مع الإعلام "الإسرائيلي" الذي حاول أن يستغل الألعاب الكروية, لإظهار الكيان المؤقت على ارض فلسطين , وكأنه بات من جغرافية المنطقة, وإنه بات جسما غير قابل للفظ من البحر العربي ,كما يلفظ البحر اي جسم غريب, اذا لم يكن غريقا تتآكله الأيام .
إن رفض الشباب العربي ظهر أيضا على أنه تحد للأنظمة التي تلهث وراء التطبيع , وأنه حرم على الأنظمة الانتباه لما قد يكون , , ولعل استخلاص صحيفة "يديعوت أحرونوت"، كبرى الصحف التي تصدر في تل أبيب، "أنه بالرغم من أن كأس العالم تجربة ضخمة، لكن العداء في شوارع الدوحة أوصل مراسلينا إلى استنتاج مفاده أنه: " ليس فقط في الحكومات كراهية إسرائيل بل الكثير من الناس في الشارع يكرهوننا".
وقالت الصحيفة : "لم نرغب في كتابة هذه الأشياء، كنا نظن دائمًا أننا نحن الصحفيون لن نتعرض لمثل تلك الكراهية، بالتأكيد ليس في أكبر مشروع للرياضات العالمية بجانب الأولمبياد. لكن بعد عشرة أيام في الدوحة، من المستحيل عدم إطلاعكم على ما نمر به هنا، نحن لا نقصد التجميل، نحن نشعر بالكره، ويكتنفنا العداء، نحن غير مرغوب فينا هنا، لقد قال لنا أحد القطريين للوهلة الأولى عندما سأل وأجبنا بأننا من إسرائيل: "أود أن أقول لكم مرحبا. لكنكم حقاً غير مرحب بكم، اخرجوا من هنا في أقرب وقت ممكن".
وأضافت الصحيفة: "الكراهية من جانب القطريين ليست وحدها، فالمصريون المقيمون في قطر ويعملون فيها أيضا أعربوا عن كراهيتهم لنا بكل وضوح كلما شاهدونا نسير بكاميراتنا في الشوارع، ففي الشارع, فلسطينيون وإيرانيون وقطريون ومغاربة وأردنيون وسوريون ومصريون ولبنانيون، جميعهم ينظرون إلينا بنظرات الكراهية".
وأوضحت الصحيفة: "أن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، بل أنه وصل إلى الشتائم الصارخة بلغة يمكن فهمها".
وكشفت الصحيفة: "أن بعض المراسلين الإسرائيليين عرفوا أنفسهم كذباً كصحفيين من الإكوادور، من أجل مرافقة الجماهير الإيرانية ، ولكن حينما حاولنا تعريف أنفسنا كإسرائيليين، تم الهجوم علينا بأبشع الكلمات".
هذه هي الخلاصة "الاسرائيلية "أن الكيان ومستوطنيه غير مقبولين, وهي اذهلت قيادات الاحتلال, رغم 43 عاماً, اي منذ اتفاقية "كمب ديفيد"من الدعاية بكل اشكالها, ومحاولات الاختراق, لم تسر وفق ما أرادته رياح الصهيونيين والغربيين والمستعربين, وقد عملت قيادات الكيان كلها على استثمار ما يمكن, خلال الالعاب الرياضية من جهة ولتغطية خسارة كبيرة, في المجال نفسه على الساحة المصرية عشية العاب قطر العالمية.
في مصر, خطوات واعدة في جديتها ضد التطبيع مع الكيان المؤقت, تمثلت هذه المرة, في قيام "اتحاد كتاب مصر بإجراءات لا تزال تحت المجهر لطرد 3 افراد من صفوفه وهم الكاتب يوسف زيدان, والروائي علاء الأسواني, والكاتبة منى برنس، وهؤلاء تمت إحالتهم إلى التحقيق بتهمة التطبيع مع إسرائيل، وأنه سيتم فصلهم حال ثبوت ذلك. باعتبار التطبيع من المحرمات, وكي لا يكون أولئك كحصان طروادة في الاتحاد الذي طالما كانت مواقفه الى جانب القضية الفلسطينية, بغض النظر عن الاتفاقية المشؤومة, والتي كانت اول طعنة في الصدر الفلسطيني والعربي والإسلامي, والمسماة اتفاقية "كمب ديفيد" وصاحبة الرعاية الأميركية.
هذه الخطوات ليست الأولى من نوعها, تعبر عنها شرائح هامة, وفاعلة لدى الرأي العام, وفي الحفاظ على تكوينه الرافض لكل اشكال التطبيع مع الكيان الذي يحتل ارض فلسطين, فقد أظهرت دراسة ميدانية حديثة أجراها المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" على عينة عشوائية طبقية ممثلة للمجتمع المصري, أظهرت أن 86 % من المصريين يرون أن الكيان المحتل هو العدو الدائم، مقابل 4 % لا يرونه عدواً، و5 % يرونه عدواً مؤقتاً و5 % ليس لهم رأي محدد. وعن مدى قبول الدعوات التي تم الترويج لها بخصوص التطبيع الشعبي مع "إسرائيل" على غرار ما حدث في الإمارات، أظهرت الدراسة رفض 91 % من المصريين التطبيع الشعبي مع "الإسرائيليين"، مقابل موافقة 5 % على التطبيع وعدم قدرة 4 % على تحديد موقف.
الموقف من التطبيع في مصر, يتعاظم مقارنة بما يحصل في دول خليجية , اذعنت لاتفاقات "ابراهام" الأميركية , على الرغم من مرور 43 عاما على اتفاقية كمب ديفيد, ووجود علاقات قوية, لكنها تنحصر في القيادة السياسية والدائرة الضيقة المحيطة بها، ولم يظهر لها امتداد في مؤسسات الدولة صانعة القرار. وهنا تجدر الإشارة الى أن العقيدة القتالية للقوات المسلحة لا تزال تصنف "إسرائيل" بانها العدو الرئيسي، وما زالت أدبيات التدريب داخل القوات المسلحة والتي تدرس للضباط، والجنود تعتمد الكيان الصهيوني كعدو، والحرب معه في المستقبل حتمية مؤجلة.
طبعا من المبكر الحكم الجذري, إلى أي مدى واي خطوات يمكن ان تتفاعل في مصر في ظل ما يجري في العالم من تموضعات في اطار العالم الجديد الذي لا يزال في حالة مخاض, الا ان التجارة, تكون عادة مؤشرا يركن اليه, وبنسبة معقولة, وفي هذا السياق لفت الإعلام العبري إلى أن حجم التبادل التجاري بين "إسرائيل" ومصر هو مبلغ صغير نسبيا بحيث لم يصل الى100 مليون دولار سنويا، وذلك بعد 43 سنة من توقيع اتفاقية كمب ديفيد، بينما بعد حوالي عام ونصف العام فقط من توقيع الاتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة، التي يبلغ عدد سكانها حوالي عُشر سكان مصر، وصل حجم التجارة بينها وبين إسرائيل إلى ما يقرب من 1.5 مليار دولار. ويبدو أن صناع القرار في الكيان يدركون أكثر من غيرهم, أن الاتفاقات مع السلطات في أي بلد, لا يمكن ان يهضم الشعب سمومها, ولا سيما الشريحة المثقفة, والمنتجة للثقافة الوطنية, المستمدة من التاريخ والحضارة, بغض النظر عن مدى ما يرسم في كواليس المصالح السياسية ,ولذلك فان قادة الاحتلال يعملون على استفزاز السلطات, وفي الوقت نفسه يعملون على زرع اسافين بين السلطات والشعب, وفي هذا السياق شنت وسائل إعلام صهيونية، هجوماً حاداً على السلطات المصرية بسبب ما اسمته تعنت أجهزة الأمن المصرية في سفر المواطنين المصريين إلى الكيان.
وقالت صحيفة "يسرائيل هايوم" في صدر صفحتها الأولى، وكذلك القناة السابعة بالتلفزيون "الإسرائيلي"، إن مصر تمنع عمليا مواطنيها من زيارة "إسرائيل" على الرغم من وجود معاهدة "كامب ديفيد للسلام ".متهمة السلطات المصرية بوضع صعوبات وعراقيل جمة على المواطنين الراغبين في زيارة إسرائيل، بطريقة تجعل عملية السفر مستحيلًة, كما أن الغالبية العظمى من المصريين, تتوق الى المواجهة مع المحتل, وزيارة فلسطين محررة. وكذلك فان أجهزة الامن المصرية تعلمت دروس, بان الاحتلال لا يقيم وزنا للاتفاقات, ويعمد الى تجنيد أي مصري, وباي وسيلة, وقد نقلت القناة السابعة "الإسرائيلية" حول منع القاهرة لمواطنيها من زيارة تل أبيب، عن مسؤول إسرائيلي لم تكشف القناة عن اسمه كلاما منسوبا لمصري لم تسمه أيضا ان: "المواطن المصري الذي يرغب في زيارة إسرائيل يجب أن يقدم سببًا للزيارة ، وحتى في هذه الحالة فليس من المؤكد على الإطلاق أن تتم الموافقة عليه، وحتى لو حصل على إذن بالسفر إلى الكيان، يقال له إنه سيضع نفسه على قائمة المراقبة الخاصة بأجهزة الأمن المصرية".
لقد عبر الإعلام العبري عما يجري في كواليس المنظومة الصهيونية, الذي يعتبر بأن حظر السفر إلى "إسرائيل" يؤثر على العلاقات وعلى نطاق النشاط الاقتصادي.وفي السياق قالت القناة السابعة الإسرائيلية :"يتجلى "السلام البارد" مع مصر بطرق أخرى، حيث أن الإسرائيليين الذين يرغبون في دخول شبه جزيرة سيناء بمركباتهم يعانون من المضايقات عند المعبر الحدودي. ولا يسمح المراقبون المصريون عند المعبر بدخول الكاميرات الموصولة بالمركبة بما في ذلك الكاميرات العكسية القياسية - على أساس أنها "قد تستخدم للتجسس"، وفي ضوء ذلك، يقومون بتفكيك الكاميرات على الفور، بشكل يتسبب في أضرار قد تصل إلى آلاف الشواكل.
بلا شك يتمنى المصريون بغالبيتهم, أن تكون الإجراءات الرسمية أكثر تصاعداً وحزماً, للتعبير عن جوهر الشعب المصري الرافض للتطبيع مع الكيان الذي يحاول أن يتسلل من نوافذ مختلفة, وعبر أساليب متعددة كمؤسسة "كلوز آب"التي تعنى بالإنتاج السينمائي , ما جعل الوسط الفني المصري بحالة أقرب الى الاستنفار والاستنهاض رفضا للتطبيع منذ 3 اشهر عندما حاولت المؤسسة المذكورة إقامة ورش عمل لإتاحة فرص إنتاج مشترك للأفلام التسجيلية بين مخرجين من البلاد العربية ودول أخرى, وإلى جانبهم مخرجون من الكيان الصهيوني, وهوما اعتبره الفنانون المصريون :"محاولة جديدة لغرز الكيان الصهيوني داخل المشهد الثقافي والسينمائي لمنطقتنا". واعتبر أن المؤسسة تستهدف تطبيع العلاقات الثقافية بين الفنانين العرب والإسرائيليين على غرار مؤسسة "غرين هاوس" الإسرائيلية التي توقف نشاطها عام 2017 بعدما فشلت في اجتذاب كثير من الفنانين العرب.
لعل ما نقله مراسل القناة ال12 العبرية من قطر مؤشر آخر, إذ رفض كل من حاول محاورتهم التجاوب معه لأنه عدو وقال المراسل: هناك كثير من المحاولات من أشخاص كثر هنا من كل أرجاء العالم العربي، يخرجون ضدنا بسبب أننا نعرض عليهم التطبيع". وأوضح: "إسرائيل وقعت اتفاقيات تطبيع مع 4 دول عربية في السنوات الأخيرة، لكن تبين أن غالبية الشعوب العربية لا تحب حقيقة وجودنا هنا". وعرضت القناة المذكورة مقطع فيديو لمشجع عربي عقب مباراة المنتخب السعودي والأرجنتين، بعد أن دخل في جدال حاد مع المراسل نفسه، حول حقيقة وجود "إسرائيل". وعندما عرف المراسل نفسه على أنه من "إسرائيل"، رد عليه المشجع بكل حزم: "ما في إسرائيل، في إشي اسمه فلسطين، فلسطين حرة عربية". وفي الوقت الذي حاول فيه المراسل فرض رأيه بالقول: "في إسرائيل ليوم القيامة"، أصر المشجع ومعه آخرون على أن "ما في إسرائيل، فلسطين حرة عربية، وسوف تبقى لأبد الآبدين، ما في سياسة، لأنه ما في إسرائيل".
من الواضح أن أهم ما يركز عليه الكيان الغاصب لفلسطين, هو مسح الذاكرة الثقافية, بشكل أساسي, وبناء ثقافة تقبل وجوده في المحيط , وهي غير ممكنة الا اذا تمكن من هدم الصروح الوطنية الثقافية والنقابية, من اتحادات كتاب , الى السينما والمسرح والشاشة والصحافة، وهذا يبدو مستحيلا بوجود حراس حقيقيين يرفضون التطبيع ,ويقاومونه ببأس شديد. كما أنه وأمام الدروس والعبر منذ اتفاقية كمب ديفيد, أن الهدف المركزي من كل الاتفاقيات هو تدمير النسيج الاجتماعي, وفي السياق يندرج الأمني والعسكري، ويبقى التدمير الثقافي هو قلب المركز , بينما الساسة الموصوفون ب "الكنوز الثمينة" للاحتلال سرعان ما يتركهم الاحتلال على قارعة مصيرهم.