في ذكرى وعد بلفور - بريطانيا تترنح والكيان الى زوال‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 01 تشرين الثاني , 2022 10:49 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في ذكرى الوعد البريطاني,للحركة الصهيونية العالمية بإقامة وطن لليهود على ارض فلسطين  والمعروف بوعد بلفور نسبة الى وزير الخارجية البريطاني أرثر بلفور , لا بد من استحضار جوهر الرسالة الرسمية التي بعثها بلفور الى المصرفي البريطاني وأحد زعماء اليهود في بريطانيا البارون روتشيلد، وما كانت النتائج والتداعيات  

لقد كانت رسالة بلفور الى روتشيلد أوضح تعبير صارخ عن تبني بريطانيا ودعمها للحركة الصهيونية , وكتب فيها طالبا من روتشيلد ضرورة إبلاغ زعماء الحركة الصهيونية في المملكة المتحدة وايرلندا بموقف الحكومة البريطانية من مساعي الحركة.التي كانت تشجع  يهود القارة الاوروبية على الهجرة الى فلسطين خلال الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى والثانية، في وقت كانت القارة تشهد صعودا للتيارات القومية المعادية للسامية.

لقد مهدت بريطانيا سياسيا وتقنيا لذلك، بمروحة  من الاتصالات والمفاوضات بين الساسة البريطانيين وزعماء الحركة الصهيونية في بريطانيا,وكان موضوع مصير الاراضي الفلسطينية قيد البحث في دوائر الحكم في بريطانيا بعد دخولها الحرب العالمية الأولى مباشرة.وجرى اول لقاء بين حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية لاحقا، وبلفور عام 1904 أي قبل الحرب العالمية الأولى بعشر سنوات ,وتناولت موضوع إقامة وطن لليهود في فلسطين .

لقد كانت الرسالة - الوعد  السبب الأول في انشاء الكيان الصهيوني المؤقت وما تبع ذلك من حروب وأزمات في الشرق الاوسط. ولا سيما في الدول العربية حيث لا تزال الحروب على رأس جدول أعمال الكيان.  

بغض النظر عن اهداف بريطانيا ,اكان لاجتذاب اليهود كقوة مالية مؤثرة في الولايات المتحدة انئذ مع نفوذ واسع لتأييد اميركا، الطموح البريطاني الاستعماري في الحرب العالمية, ام لاجتناب شرور الحركة الصهيونية بيهودها , ام لدفع هذه الشرور الى فلسطين لتؤسس عليها لما نشهده اليوم من تمزقات عربية .

لقد تجاوز عمر الوعد المشؤوم المئة عام , وعمر الكيان 74 عاما ,ولم تتردد بريطانيا يوما عن منح الكيان المؤقت حقن إطالة عمره كما الولايات المتحدة الأميركية , مع التأكيد على تبني الصهيونية كسلوك سياسي , من اعلى مستويات السلطة ومنهم آخر رئيسين للوزراء بوريس جونسون وليزا تراس اللذين فاخرا باعتناق الصهيونية , والتأييد المطلق لمستعمري وجرائمهم فلسطين التي يندى اليها الجبين.

لقد هرم الاحتلال ,كما الوعد , رغم مده بكل وسائل الاستمرار اكان من أسلحة اوعبر تغطية الدول الفاعلة في العالم، إضافة الى الدول الصوتية ,سياسة الجرائم والاجرام.

ان ما تعيشه بريطانيا اليوم من أزمات كبيرة , الى جانب الأزمة الاقتصادية ,لا سيما ان نفوذها الدولي انحسر الى أضيق زاوية , حتى باتت بريطانيا الاتحادية مهددة بالتفكك , في ضؤ دعوات الاستقلال من اسكوتلندا , وايرلندا.فضلا عن التظاهرات التي صارت جزءا من معالم المدن , رفضا  للسياسات المتبعة من الحكومات المحافظة.  

لقد حلت لعنة فلسطين على أصحاب الوعد البريطاني المشؤوم الذي أراد سلخ الشعب الفلسطيني عن ارضه , بموازاة التضحيات الجسام التي قدمها هذا الشعب على مدى الأجيال, وهو يدرك اليوم ولا سيما الجيل الصاعد , ان بيانات الاستنكار لما كان يقوم به الكيان ليس الا جزءا من التهرب العربي والعالمي  من المسؤولية الكبرى التي تأسست من جلها الجامعة العربية , او من اجل احتواء بشاعة الجرائم التي ينفذها الاحتلال في ظل صمت دولي يغطي الجرائم، فما يجري على ارض فلسطين حاليا , مع اشتعال غضب الضفة من جنين الى نابلس الى الخليل , وما سيأتي من غضب فلسطيني ,يؤشر الى حجم التراكم الذي عمل عليه الفلسطينيون بصبر وجلد كي يكون لديهم مقاتل من نوع اخر , مستفيدا من تجارب الذين سبقوه .

لقد شهدت الضفة الغربية والقدس المحتلتين، أكثر من 10 آلاف عمل مقاوم، منذ مطلع العام الحالي، بينها 639 عملية إطلاق نار، و33 عملية طعن أو محاولة طعن، و13 عملية دهس أو محاولة دهس، بحسب ما أفاد تقرير مركز المعلومات الفلسطيني "معطى". وهو أيضا ما اكدته تقارير إسرائيلية , لم تستطع تجاهل الحقائق لانها موثقة , ويظهر  أن تصاعد حالة المقاومة في الضفة يرجع إلى تصاعد اقتحامات جنود الاحتلال ومغتصبيه لمقدسات المسلمين خصوصاً في المسجد الأقصى المبارك والمسجد الإبراهيمي الشريف، حيث أصبحت الاقتحامات يومية. لقد حاول الاحتلال رفع معنويات المستوطنين من خلال توزيع مشاهد للعمليات التي ينفذها الشباب الفلسطيني بايمان لا يتزحزح، ومثال على ذلك نشر الاحتلال فيديو العملية الثانية للشهيد عدي التميمي اذ فوجئ الاحتلال بمفاعيل  عكسية، فالرقابة العسكرية التي أرادت أن تطمئن المستوطنين، وأن تكسر الدوافع للعمليات الفدائية للفلسطينيين بمشهد قتل الشهيد عدي، لم تدرك أن مشهد إطلاق النار ومواصلة القتال حتى الرمق الأخير جعلت منه رمزاً لكلّ فلسطيني يقاتل حتى الرمق والطلقة الأخيرين، بالإضافة الى رسالته –الوصية للشباب الفلسطيني بضرورة المراكمة من اجل تحرير فلسطين  .

لقد فشل الاحتلال و"عباقرته"النفسيين في تأليب الشعب الفلسطيني على القوى الثورية المقاتلة , من خلال تشديد الحصار والتجويع والتعطيش والاذلال الطبي , والاقتحامات للمنازل والمدارس والجامعات , وتحميل ثوار فلسطين المسؤولية وتصويرهم انهم مطلوبون "لعدالة"المحتل , لا بل أدى ارتفاع منسوب العمليات الى جانب أداء المقاتلين، الى شحن الروح الوطنية والثورية لدى الشباب في القدس والضفة المحتلة، بالتزامن مع الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية . وبذلك فإن ما يتراكم على ارض فلسطين نابع من مفهوم واضح بان الكيان الى زوال , وان كل الاتفاقات أظهرت بانها تمد في عمر أجله المحتوم , وربما , وهو الأرجح ان نكون خلال الفترة المقبلة أمام سلسلة جديدة من العمليات النوعية في الضفة والقدس وفلسطين 48، بما يضغط على المستويين الأمني والعسكري في "دولة" الاحتلال. وهذا الأمر تنظر المنظومتان إليه بعين الخطورة نتيجة الثمن الكبير الَّذي تدفعه، فـ"الجيش" ينشر حالياً أكثر من نصف قواته في الضفة للسيطرة على الوضع من دون القدرة على ذلك.

  ان خيارات الاحتلال معقدة جداً،لا بل مربكة أكثر من أي وقت مضى بالتوازي مع الازمة الجكومية والسياسية , ولذلك فان اللجؤ كالعادة الى عملية عسكرية ستزيد أزمته وتعمقها  في الضفة المحتلة، ما سيؤدي إلى التهاب مناطق أخرى، وخصوصاً من قطاع غزة، والمدن والبلدات في فلسطين 1948 ما سيضطر قيادة الاحتلال على كل المستويات ان تعيد النظر في استراتيجياتها بما فيها الاعتماد على التنسيق الأمني مع السلطة، في ظل حالات التذمر داخل الأجهزة الفلسطينية , وولادة قوة فلسطينية جريئة مثل "عرين الأسود"

 من اللافت ان دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب دعت إلى إعادة صياغة أهداف إسرائيل في كل حرب قادمة وتغيير أنظمة دفاعها وهجومها، بعدما بات من غير الممكن تكرار انتصار 1967، وتستخف بالبحث عن "صورة انتصار" كما كان في حرب لبنان الثانية. وتقول الدراسة : " ، في حرب غير متكافئة كثيرة اللاعبين والتهديدات تكون فيها إسرائيل مستهدفة من كل الجهات بآلاف الصواريخ، فإن السعي لحسم وانتصار عسكريين ينطوي على استراتيجية خاطئة ومفهوم يعود لعصر الحروب التقليدية في ساحات وغى اعتيادية". وتعتبر أن حرباً غير متكافئة في أي جبهة لها هدفان فقط لإسرائيل: تقليص فترة الحرب وأضرارها للحد الأدنى، وتأجيل موعد الحرب التالية لسنوات كثيرة.  


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل