جردة حساب عهد ميشال عون الرئاسي... ـ د.ليلى نقولا

الإثنين 31 تشرين الأول , 2022 09:28 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

باحتفال شعبي كبير غادر الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، مسجلاً سابقة في تاريخ العهود الرئاسية في لبنان، حيث يخرج رئيس من الحكم فتلاقيه قاعدته الشعبية وتعاهده على الوفاء.

الأكيد، أن الرئيس عون قبل سنوات ست، كان قد دخل قصر بعبدا، واعداً اللبنانيين عموماً وأهل التيار الوطني الحر خصوصاً بالتغيير وبنموذج جديد من الحكم، لكن التجربة لم تكن على قدر آمال الرئيس عون نفسه أولاً، بدليل خطابه الوداعي الأخير في قصر بعبدا، ولم تكن على قدر آمال اللبنانيين بدليل التضحيات الجسام التي دفع ثمنها اللبنانيون خلال سنوات ست، والانهيار الاقتصادي الشامل الذي ضرب البلاد.

وإذا كان الرئيس عون وفريقه، لا يتحملون "كامل المسؤولية "عن كل ما حصل في السنوات الست كما يحلو العديد من منتقديه أن يتهموه، إلا أنهم يتحملون "جزءًا من المسؤولية" عن تلك السنوات (بغض النظر عن النسب المئوية)، وعن السنوات التي شاركوا خلالها في السلطة التنفيذية (الحكومات) بعد عودة العماد عون من فرنسا، وذلك سواء ضمن حصة التيار الوطني الحر وتكتل التغيير والاصلاح أو ثم تكتل لبنان القوي.

وضمن جردة أولية سريعة لحساب الانجاز والإخفاق لعهد الرئيس ميشال عون، يمكن لنا أن نذكر ما يلي:

1-  الانجازات التي تحسب للرئيس عون:

أ‌-     تحرير لبنان من الارهاب: حيث ساهمت صلابة الرئيس عون وإصراره على التخلص من البؤرة الارهابية في جرود عرسال وسلسلة لبنان الشرقية، الى أن ينعم لبنان خلال عهده بالأمن والانتهاء من ظاهرة الانتحاريين الذين ضربوا في العمق اللبناني.

ب‌- إغلاق ملف تحويل لبنان الى خاصرة رخوة لضرب العمق السوري أو استخدامه كمنصة لتقويض الدولة السورية وقاعدة متقدمة للقتال في سوريا، والتي كلّفت لبنان الكثير من المآسي وجولات الاقتتال الداخلية،  كما حصل خلال فترة عهد ميشال سليمان حين تحوّلت المرافئ اللبنانية والأراضي اللبنانية الى معبر للسلاح والعتاد والارهابيين الى سوريا، بالرغم من الادعاء باعتماد سياسة النأي بالنفس.

ت‌- الصلابة التي أظهرها الرئيس عون خلال أزمة الرئيس سعد الحريري في السعودية، وعدم قبوله استقالة الحكومة والدعوة الى مشاورات لبنانية واسعة جداً إفساحاً بالمجال أمام الضغوط الدولية التي أمنت للحريري الخروج سالماً والعودة الى لبنان.

ث‌- انتظام المالية العامة، والاصرار على إصدار موازنات عامة للصرف على أساسها.

ج‌-  الاصرار على السير بملف التدقيق الجنائي الذي أعلنت العديد من الأطراف السياسية رفضها له علناً وحاربته، وغطت رياض سلامة في رفضه لتزويد الشركات بالمستندات اللازمة.

ح‌-  الاصرار على إجراء الانتخابات النيابية بعد سنوات من التأجيل المستمر بشتى الذرائع، وإعطاء المغتربين الحقّ بالتصويت لأول مرة في تاريخ لبنان.

خ‌-  الصلابة في رفض مشاريع التوطين وإدماج النازحين السوريين، ورفض الدعوات التي سماها بومبيو "مواجهة حزب الله"، والتي تعني عملياً إغراق لبنان بحرب أهلية أو فتنة داخلية.

د‌-    عدم السماح بالفراغ السياسي والأمني بعد حصول ثورة 17 تشرين الأول 2019، خصوصاً بعد استقالة الحريري واعتكافه وعدم قبوله لدعوة المجلس الأعلى للدفاع، وهو ما فوّت الفرصة على من يريد جرّ لبنان الى فتنة (سنية شيعية) وإهراق دماء اللبنانيين لتحقيق مكاسب سياسية وإحراج حزب الله في الداخل.

ذ‌-    الترسيم البحري الذي استطاع الرئيس عون وفريقه إدارة التباينات الداخلية وحسن استخدام مقومات القوة للوصول الى خواتيم سعيدة.

 

2-  الاخفاقات التي مُني بها عهد الرئيس عون:

أ‌-     الانهيار الاقتصادي الشامل على المستويات كافة، والذي أتى كنتيجة لسياسات متراكمة عمرها 30 سنة، والنهب المنظم للخزينة العامة، وعدم تطبيق الخطة الاقتصادية التي وضعها اجتماع بعبدا الشهير قبل الثورة، ما ساهم بتعميق المشاكل الاقتصادية.

ب‌- العتمة الشاملة التي ضربت لبنان، وملف الكهرباء.

ت‌- عدم القدرة على تغيير رياض سلامة، وتحويله الى القضاء ما يجعله لغاية اليوم حاكماً بأمره يتصرف كما يشاء بمدخرات اللبنانيين وماليتهم، ويقوم بهندسات مالية تساهم بإفقار اللبنانيين وتعويم المصارف والطبقة السياسية التي تحميه.

ث‌- التسوية الرئاسية التي كبّلت الرئيس وفريقه ومنعتهم من السير بما كان قد وعدوا به من إصلاح.

ج‌-  التعيينات الوزارية والإدارية والقضائية والمستشارين الخ.. التي احتسبت على الرئيس وفريقه والتيار الوطني الحر والتي كان "العديد" منها لا يتلاءم مع الكفاءة أو النزاهة أو الحس الوطني أو الصلابة المطلوبة لإدارة الملفات، ومنها من انخرط بالفساد والتسييس، ومن انقلب على العهد ورئيسه.

ح‌-  الفشل في إصلاح الأمن والقضاء(وهما دعامة الوطن) وهو ما تحدث الرئيس عون عن الحاجة لاستكمال العمل عليه في خطابه الأخير في بعبدا.

خ‌-  عدم تحقيق أي نهضة تربوية وتحسين أوضاع المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية.

في النتيجة، لا شكّ أن ضغوطاً كبيرة خارجية وداخلية مورست لئلا يحقق الرئيس عون أياً من وعوده، فقد حاربته إدارة ترامب والدول الخليجية، والدولة العميقة داخل لبنان بما لها من تشعبات مصرفية وإعلامية وسياسية وأمنية وإدارية، وثورة 17 تشرين التي استخدمتها الطبقة السياسية والأحزاب ضده، وتحمّل وزر جائحة كورونا التي ضربت العالم أجمع، وانفجار المرفأ الخ... كلها أمور ساهمت بعدم تحقيق الكثير من الوعود.

لكن سواءً كانت الظروف خارجة عن إرادته أو كانت من ضمن "ما خلونا" أو بسبب سوء الإدارة للفريق الخاص المعني بإدارة ملفات الدولة.... يبقى للتاريخ أن يحكم بالانصاف على العهد ورئيسه.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل