مقالات مختارة
بعد ايام قليلة من نجاح سلاح البحريه المصري في اغراق المدمرة الاسرائيلية “ايلات” ،بتاريخ ٢١ /١٠ /١٩٦٧ ، قبالة سواحل بور سعيد المصرية ، عقد لقاء بين الرئيس جمال عبد الناصر وقادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني / فتح ضم كلاً من ياسر عرفات ( ابو عمار )،صلاح خلف ( ابو اياد ) ، فاروق القدومي (ابو اللطف )بجهود الصحافي الشهير محمد حسنين هبكل .
عقد الاجتماع في بيت الرئيس جمال عبد الناصر ، في منشية البكري بالقاهرة ،واستمر خمس ساعات متواصلة ، وذلك بتاريخ 25/10/1967 ، جرى خلاله استعراض مجموعة كبيرة من المواضيع ، على رأسها استراتيجية “فتح” ودورها المستقبلي في الثورة الفلسطينية والمعركة العربية الشاملة مع العدو .
وبعد ان قدَّم وفد حركة فتح عرضاً شاملا ، حول هيكليات الحركة وتشكيلاتها العسكرية واستراتيجيتها ، كطليعة ثورية مسلحة للشعب الفلسطيني ، تعتمد الكفاح المسلح وسيلةً اساسيه لتحرير فلسطين، وبعد ان ابدى الرئيس عبد الناصر اهتمامه الشديد بالعمل الفلسطيني المسلح واثنى على جهود الحركة في سبيل تطوير الكفاح المسلح الفلسطيني ، و دعماً للمجهود الحربي العربي ، في سبيل تحرير فلسطين،وشرحه للتوجهات المصرية الاساسية ، والمتعلقة بالمواجهة العربية المزمعة مع العدو وسياسة ازالة آثار العدوان ، طرح الرئيس عبد الناصر سؤالين هامين ، على وفد حركة فتح:
١ ) هل بامكانكم الاشتباك مع العدو ، داخل الارض المحتلة في الضفة وقطاع غزه آنذاك ، ولو برصاصة واحدة يومياً وبشكل متواصل ؟
كان رد ابوعمار واخوانه بالايجاب والتأكيد على ذلك بشكل قطعي .
٢) وهل بامكانكم ، لاحقاً، الوصول الى مرحلة تثبيت لواء ، من الوية الجيش الاسرائيلي في الارض المحتلة ومشاغلته بشكل متواصل ؟
كان الجواب بنعم دون تردد ،لا بل ان ابوعمار اكد يومها للرئيس عبدالناصر ان الفدائيين الفلسطينيين سيكونون قادرين على تثبيت فرقة كاملة ، من فرق الجيش الاسرائيلي ، في الاراضي المحتله سنة ١٩٦٧ .
انها الاسئلة المفتاحية ، لما كان يدور في خلد الرئيس عبد الناصر آنذاك ، الا وهو الاستعداد لحرب الاستنزاف على الجبهة المصرية والتي بدأت ، عملياً بتاريخ ١/٧/١٩٦٧ ، عندما حاولت قوة مدرعة اسرائيلية مهاجمة مدينة بور فؤاد . تلك القوه المدرعه الاسرائيليه ، التي تصدت لها وحدات من قوات الصاعقه المصريه وامطرتها بوابل من الصواريخ المضادة للدبابات ، الى جانب الاسناد المدفعي ، من قبل بطاريات المدفعية المصريه غرب قناة السويس ، ما ادى الى تدمير القوة الاسرائيلية بالكامل ، وهي المعركة التي تعرف باسم معركة رأس العش ، في السردية العسكرية المصرية ، الامر الذي كان له تاثير معنوي كبير ، في مختلف انحاء العالم العربي .
ومن الجدير بالذكر ان حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية قد رافقتها حرب استنزاف اخرى ،على الجبهتين الاردنيه والسورية ، حيث كان للفدائيين الفلسطينيين وجود عسكري كثيف في الجولان السوري وفي محافظة درعا وارياف دمشق الجنوبيه والجنوبيه الغربيه .
استمرت العمليات الفدائية في تصاعدها طوال اشهر تموز واب وايلول وحتى نهاية ١٩٦٧، وبلغت ذروتها في معركة الكرامة يوم ٢١/٣/١٩٦٨ ، التي حصلت بين الفدائيين الفلسطينيين والوحدات الاسرائيلية العدوانية.
شكلت معركة الكرامة ذروة العمل الفدائي الفلسطيني آنذاك ، حيث نجح الفدائيون في ابادة لواء مدرع اسرائيلي مع القوات المساندة له وليس فقط مشاغلته ، لمنعه من المشاركة في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية ، ما اعطى زخماً كبيرا جداً للعمل الفدائي الفلسطيني ودفع بآلاف الشبان الفلسطينيين والعرب للانخراط في العمل العسكري الفلسطيني،ضد “اسرائيل” ، من خلال الوجود الفدائي على الجبهة الاردنية والسورية .
وفي الحقيقة فإن تأثيرات الانتصار في معركة الكرامه سنة ١٩٦٨ لم تقتصر على الجانب المعنوي ، فلسطينياً وعربيا ، بل كان لها بالغ الاثر على العلاقات الدوليه ، لمصر وللرئيس جمال عبد الناصر بشكل خاص ، وهو ما جعل الرئيس المصري يجري اتصالات مكثفة مع القيادة السوفييتيه ، التي لم تكن على علاقة مع المنظمات الفدائيه الفلسطينيه ( كانت تعتبرها تنظيمات متطرفة حسب ما كانوا يقولون في العقيده الماركسيه اللينينيه ….. ) ،اتصالات ومشاورات مهدت لاجراء اول لقاء فلسطيني سوڤييتي ، حيث اصطحب الرئيس جمال عبد الناصر قائد حركة فتح ،آنذاك ، ياسر عرفات في زيارة سرية الى موسكو ،اجتمع خلالها مع الزعيم السوفييتي ليونيد برييجنيف ، لتوطيد بعد ذلك العلاقات بين الثوره الفلسطينيه ومنظمة التحرير الفلسطينيه من جهة، وبين الاتحاد السوفييتي من جهة اخرى ، ما كان يعني توسيع قاعدة العمل المشترك لتحقيق الاهداف العربية.
نجح العمل الفدائي الفلسطيني ، آنذاك ،في تثبيت معادلة معينة مع جيش الاحتلال ، وها هم أشبال أسود ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ينجحون في تثبيت ( بل وشل قدرات هذا الجيش المحتل ) اذ ان نصف قوات الجيش الاسرائيلي اليوم ، وحسب اعترافات قادة العدو من مختلف الاتجاهات العسكرية والامنية ، بات مسمراً في الضفة الغربية وحدها ، بما فيها القدس طبعاً .
وعليه ، فان الفدائيين الفلسطينيين ، الذين ينفذون عملياتهم حالياً في كل انحاء الضفة الغربية ،تمكنوا من انهاء فعالية نصف الجيش الاسرائيلي وشل قدرات هذا النصف ، في اي حرب قادمة على اي جبهة من الجبهات .
علماً ان المعنى الدقيق لهذا الواقع ، الذي تعيشه الضفة الغربيه ، قد اخرج نصف الجيش الاسرائيلي من اي معركة قادمة ، سواءً على الجبهة الشمالية او الجنوبية ، وهو ما يعرفه قادة العدو ويخشون تداعياته في المستقبل .
ولا بد ، في هذا الصدد ،من التنويه بان الاعمال الفدائية المنتشرة حالياً في الضفة الغربيه ، لا تزيد نسبته عن ١٪ من امكانات الشعب الفلسطيني ،داخل فلسطين المحتله سنة ١٩٤٨ و ١٩٦٧ . وهو الامر الذي لا زال العدو مرتبكاً في تقدير نتائجه وتأثيراته ، على قدرات جيشه العسكرية ، في حالة نشوب حرب شمالاً او جنوباً . خاصةً وان التقييم الاولي ، لما يحصل من عمليات فدائية في الضفة ، تشي بقدرة قتالية عالية وتنظيماً دقيقاً واستخداماً مبرمجاً لقدرات الشبان الفلسطينيين هناك،رغم كل ما يدعيه ( او يمنون به النفس ) من ان هذه الاعمال هي اعمال يقوم بها شبان لا ينتمون لاي تنظيم فلسطيني من الفصائل المعروفة في محاولة للتقليل من شأنهم .
ولكن حتى لو افترض المرء ان ذلك صحيحاً ، فان الاهم من كون الشبان ينتمون او لا ينتمون لفصائل فلسطينية بعينها ، الا ان ادائهم و فعلهم في الميدان ، قادر على الحاق اكبر الضرر بالجيش الاسرائيلي ، في حالة وقوع حرب . فخطوط امداده ، كلها وبدون استثناء وفي الاتجاهات الاربعة ، تمر من مناطق ذات كثافة سكانية عربية فلسطينية . وعليه فان جميع خطوطه هذه معرضة للضرب والتعطيل ، اضافة الى ما قد تتعرض له قواعده العسكرية الثابتة ، في الضفة الغربية ومناطق ١٩٤٨ ، من عمليات سوف تؤثر بشكل خطير جداً على امدادات الجيش الاسرائيلي المتجهه الى جبهات القتال .
فكيف اذا ما اضاف المرء آلاف الصواريخ ، التي ستنهمر على البنى التحتية العسكرية “والمدنية ” الاسرائيلية كل يوم ؟ هل فكّرَ قادة العدو بمثل هذا المأزق ؟ وهل يعتقدون ان عرضهم،المقدم من خلال ” وسيط ” لمجموعة ” عرين الاسود “في نابلس سيحل معضلتهم الاستراتيجيه ؟
قطعاً لن يكون ذلك ….. انهم يعرفون ان مصير كيانهم الى زوال ، طبقاً لما يقوله قادة عسكريون سابقون ومحللون سياسيون وغيرهم في الكيان ، وتنشره الصحافة العبرية ، وعلى رأسهم رئيس الموساد تامير باردو ، الذي تنبأ بزوال هذا الكيان ونشرت تنبؤاته صحيفة يديعوت احرونوت الاسرائيلية في شهر حزيران الماضي .
من هنا يأتي موقف الكيان ، المنحاز كلياً لاوكرانيا وللمشروع الصهيو- اميركي في اوكرانيا وجنوب غرب روسيا ،وصولاً الى مدينة ستالينغراد الى نهر الفولجا في الشرق ، والقاضي باقامة “اسرائيل” ثانية في تلك الجغرافيا ، لقناعة ممولي مشروع الصهيونية العالمية بحتمية زوال دويلتهم الحالية ، نظراً لانقلاب موازين القوى في المنطقة وفي العالم لغير صالحهم بشكل كبير.
بالمال ولا بالرجال
عاشت نابلس جبل النار
عاشت كتيبة عرين الاسود
وثورة حتى النصر
محمد صادق الحسيني / الحوارنيوز
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الثبات وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً