أقلام الثبات
يحتدم الصراع الروسي – الأطلسي وسط انتشار الاحاديث على السنة المسؤولين الغربيين عن احتمال ان تبادر روسيا الى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية – أي قنابل موضعية , رغم ان روسيا جزمت مرارا بان استخدام مثل هذا السلاح غير وارد ,مع تأكيد الالتزام بالعقيدة النووية , وكذلك بما اتفقت عليه الدول الخمس الكبرى في اجتماع خصص لذلك العام الماضي .
تعمد الولايات المتحدة التي لم يصدق أي تصريح لمسؤوليها بما فيها تصريحات الهستيريا على لسان الرئيس جو بايدن , , حتى البنتاغون نفسه اكد بان لا معطيات لديه تؤكد ان روسيا سوف تبادر الى استخدام مثل هذا السلاح ., مما يؤكد بالقطع , ان ما تقوم به واشنطن يندرج في سياق الحملة القديمة – الجديدة لشيطنة روسيا من جهة , ومحاولة ابعاد الدول التي لم تلب رغبات واشنطن القاتلة في الابتعاد عن موسكو من جهة ثانية , او المشاركة في العقوبات , وصولا الى تهديد تلك الدول بفرض عقوبات عليها , لا بل باستخدام وسائل تهدد استقرارها عبر محاولة إشعال ثورات في البلدان التي تدعم موقف روسيا في أوكرانيا.
لم تكن الاحداث التي جرت في ايران – حليفة روسيا - على خلفية وفاة الفتاة مهسا اميني اثناء التوقيف , بعيدة عن ما يجري ,وكذلك تحريك مجموعات كردية انفصالية نالت نصيبها المستحق, خصوصا مع رفض ايران , تعويض السوق النفطية الغربية بنسبة معينة بعدما عطشت تلك السوق جراء العقوبات على روسيا , وكذلك فشل توقيع الاتفاق النووي الذي كاد ان يوقع , لولا تراجع الولايات المتحدة وبعض الغربيين عن الإقرار بحقوق إيرانية طبيعية , لن تتخلى عنها طهران .
في الواقع ان محاولة عزل ايران الحليف الإقليمي المهم لروسيا , لن تنجح , بالتوازي مع اتخاذ قرارات تتعلق بالعقوبات , وانخراط دول حليفة او تابعة لواشنطن في العقوبات الجديدة ضد ايران , وهي التي تتعرض للحصار والعقوبات الأميركية منذ 43 عاما , ولم تصغر اكتافها ل "الشيطان الأكبر ", لا بل ان إصرار ايران على نهجها المحق, زاد في غضب اللص الدولي ووقاحته , والذي يحرك الغربيين الذين يتمسكون برغباتهم الاستعمارية , رغم ان شعوبهم تدفع الاثمان في المعيشة والمصير الأسود الذي يلوح في افق الشتاء.
لقد احست الولايات المتحدة , بما يشبه شلل الاعصاب الدماغي , بعد فشلها في تطويع ايران عبر المغريات المباشرة, وغيرالمباشرة المتعلقة باستثمارات بعيدة المدى , ومن ثم تمرد منظمة (أوبك +) على الطلب الأميركي , واتخاذ الدول المجتمعة قرارا بتخفيض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يوميا ,ما اثار غضب واشنطن اكثر , وقيامها بتهديد مباشر للسعودية التي رفضت أصلا التماهي مع الغرب في العقوبات على روسيا.
ليس سرا , ان القوات الأميركية التي غزت العراق عام 2003 استخدمت قنابل نووية موضعية في الهجوم على مطار بغداد , وهي أحداث موثقة , لم يقتصر التداول فيها على وسائل الاعلام على اختلافها , وان بخفر , كما ليس سرا , ان اللصوصية التي تتمتع بها القوات الأميركية تظهر باقبح صورها في سوريه حيث تقوم بسرقة النفط السوري بصورة يومية , وتنقل بالصهاريج عشرات الاطنان الى قواعدها أسبوعيا في العراق , لتباع لتجار السوق السوداء إضافة الى استخداماتها اللوجستية هناك .
بالطبع لا يقتصر الاشتباك الروسي – الأطلسي على تلك الساحات الدولية , وقد بدأت الولايات المتحدة توسيع دائرة الاشتباك تدريجيا , لتوريط العالم في اتون رهيب , ويدخل هنا تفجير خط السيل الشمالي 1و2, الذي يؤكد خبراء وسياسيون اميركيون ان المخابرات الأميركية تقف خلف هذا الحدث الخطير , سيما ان البقعة المستهدفة , في مياه السويد والدانمارك , تعتبر منطقة نشاط للاطلسي , منذ ما قبل اندلاع المعارك في أوكرانيا .كما ان الاعتداء على جسر القرم بالتفجير يؤشر على المسار المعتمد تصاعديا ضمن محاولات انهاك روسيا , والعمل على تزليطها من الحلفاء .
لقد أشعلت واشنطن 3 صراعات على الحدود الروسية في الأعوام الثلاثة الماضية بعد ان لاحظت تعاظم قوة روسيا,وكذلك الصين , لكن الأولوية كانت لديها التخلص من روسيا , والتفرغ لاحقا للصين فكانت : الحرب في قرة باغ، ومحاولة الانقلاب في بيلاروس، والاضطرابات في كازاخستان. وقد تمكنت روسيا من إخماد هذه الصراعات، فكانت ان بادرت الى اشعال جبهة أوكرانيا جراء التحضير الى غزو القوات الأوكرانية لإقليم الدونباس وهو ما حذرت منه روسيا مرارا , مع الدعوة لتطبيق اتفاق مينسك ودول النورماندي ,الى ان كانت العملية العسكرية الروسية الخاصة , ومن ثم تدحرجت الاحداث , وانخراط الأطلسي بقدراته العسكرية التقنية والاستخباراتية في المعركة .
في الواقع هي حرب عالمية حقيقية ,لان الجميع منخرط فيها , سواء عسكريا , او اقتصاديا , وبالتالي سياسيا , ولم يعد للحياد اي فائدة , وكل دولة تعتبر انها بمنأى ستداس في صراع الدببة , ولذلك لم يساور الخبراء أي شك , بان كل استفزاز ضد روسيا سيكون خطوة تأهيلية للانتقال إلى المستوى الأعلى من الضربات , ولا شك ان الأسابيع المقبلة ستكون مغمورة بالغضب الروسي الذي سيمهر الرئيس فلاديمير بوتين خطط عملياتها بتوقيعه .
ليس حدثا اعلانيا واعلاميا فقط ما اتفق عليه الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والبيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، وهو نشر مجموعة إقليمية مشتركة من القوات التي بدأ تشكيلها بالفعل.لقد أوضح لوكاشينكو السبب:" تم تحذيرنا من هجوم على بيلاروس من أراضي أوكرانيا، وقيل إن ذلك سيكون بمثابة (جسر القرم-2). وكانت إجابتي بسيطة: أخبروا رئيس أوكرانيا وغيره من المجانين أن جسر القرم سوف يكون مثل ثمرة صغيرة بالنسبة لهم إذا مسوا شبرا واحدة من أراضينا بأياديهم القذرة".