أقلام الثبات
لم ينتظر الرئيس الرّوسي فلاديمير بوتين طويلا للرّد على ضربات الحلف المعادي وكان آخرها التفجير الإرهابي الذي استهدف جسر القرم يوم السبت الفائت، والذي تجاوز كل الخطوط الحمر الرّوسيّة، حتى استفاقت أوكرانيا على ضربات صاروخيّة عنيفة هزّت معظم اقاليمها ولم توفّر ضرب مخازن للأسلحة الأطلسيّة وسكك الحديد التي تنقل تلك الأسلحة في منطقة لفوف الحدودية، وصولا الى العاصمة كييف، وحيث لم يسلم فيها مكتب الرئيس الاوكراني - الذي دُمّر بالكامل -وفق ما اكّد قادة اوكرانيّون.. صباح صاروخي عنيف لا يشبه غيره أُرفق بتهديدات ناريّة وجّهها الرئيس بوتين خلال ترؤسه مجلس الأمن القومي، من مغبّة شنّ أي هجمات إرهابية أخرى على الأراضي الرّوسيّة "والتي ستواجَه بردّ صارم وقاس"، قبل ان يُمرّر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديميتري مدفيديف بدوره، رسالة لا تقلّ حدّة بإعلانه" انّ الحلقة الأولى تمّت وسيكون هناك حلقات أخرى"، وسط تسريبات صحفيّة روسيّة ألمحت الى"حدث عسكري روسي غير مسبوق سيلفّ العاصمة الأوكرانية كييف بين ليلة وضحاها"!
إنعطافة عسكريّة روسية بانت معالمها بوضوح بدءا من صباح اليوم، سيّما غداة تعيين الجنرال سيرغي سوروفيكين قائدا للقوّات الروسية في العمليّة العسكرية بأوكرانيا.. فبعد سلسلة "النّكسات" التي مُنيت بها القوات الروسية مؤخرا في "ليمان"– الواقعة في مقاطعة دونيتسك والتي ضُمّت الى روسيا قبل يوم واحد من الهجوم الأوكراني المضاد والإستيلاء عليها، وقبلها في خاركيف، قبل ان تُتوَّج بالتفجير الذي استهدف جسر القرم-والذي مثّل صفعة قويّة في وجه الرئيس بوتين، لم يعد امام الأخير من خيارات سوى الردّ بقوّة والانتقال الى المربّع الهجومي..
فالأمور لم تعد تقتصرعلى سمعة روسيا التي اصبحت على المحك، بل بات الخوف من تزعزع الداخل الروسي وانعدام الثقة بقيادته، حتى مصطلح "العمليّة العسكرية الخاصّة" لم يعد جائزا الان ربطا بأنّ ما يحصل في أوكرانيا هو حرب واسعة النطاق تشنها الولايات المتحدة بمعيّة حلف "الناتو" على روسيا برأس حربتهم- أوكرانيا، كما انّ روسيا تدرك جيّدا انّ عددا كبيرا من الضباط والمستشارين العسكريين الأميركيين ومن حلف "الناتو" هم من يرسمون الخطط العسكريّة للجيش الأوكراني بؤازرة الأقمار الصناعية.... ابعد من ذلك، لربما اعتقدت موسكو انّ مجريات الأمور على الأرض، ستكون وفق ما حددّته في عمليّتها العسكرية الخاصة، قبل ان يتّضح لها انها اخطر وأبعد بكثير، وانّ الولايات المتحدة بمعيّة حلف "الناتو" جهّزوا أوكرانيا جيدا استعدادا لهذه اللحظة منذ عامين على الأقلّ- وفق إشارة الخبير العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين.. حتى وزير الحرب الأميركي لويد اوستن لم يجد حرجا في إعلانه "انّ استخدام القوات الأوكرانيّة لأسلحة الولايات المتحدة و"الناتو" هو من ادّى الى تغيير في ديناميكيّات ساحة المعركة-وفق تعبيره..
سها اوستن عن قصد، ذكر انّ حجم واردات بلاده التسليحيّة الى أوكرانيا-وضمنا حجم صواريخ جافلين، هو كلّ ما كان في مستودعات الإحتياطات الأميركية تقريبا، وانه سوف يستغرق تجديد المخزونات ما لا يقلّ عن 10 سنوات، لأنّ الولايات المتحدة لا يمكنها إنتاج اكثر من 800 صاروخ سنويا- وهذا ما يؤكده خبراء عسكريون اميركيون تزامنا مع نشر تقرير لوكالة"بلومبرغ دقّ ناقوس الخطر "من الوصول الى مشارف نفاذ احتياطي البنتاغون"-والذي بحسب وثائقه الأخيرة،"فإنّ منظومات هيمارس أيضا تُستنفذ".. هذا قبل ان تذكر الوكالة نفسها اليوم الاثنين،" انّ مخزونات دُوَل غربيّة عدّة في حلف الناتو، بدأت بالنّفاذ أيضا، وقد تستغرق تغطية النّقص سنوات"، فإرسال أسلحة الى أوكرانيا بمليارات الدولارات يضغط بشكل خطير على مخزونات الذخيرة في دُوَل الحلف..
وعليه، بات واضحا "استشراس" الولايات المتحدة في حربها بالوكالة ضدّ روسيا وجرّ حلف الناتو وراءها مهما كانت الأثمان والتداعيات.. لأنّ اميركا "العظمى" تنحدر ولن يكون لها مستقبل ما لم تشنّ حربا مدمّرة على منافسيها.. وهنا حريٌّ العودة الى محاضرة للسياسي الإيطالي المخضرم جولييتو كييزا في تشرين الثاني عام 2015، توقّع فيها "انّ أوكرانيا ستقودها النازيّة بدعم أميركي، وانّ القرن الواحد والعشرين لن يكون اميركيا".. وحذّر الأوروبيين حينها من"مخطّط خطير يُعدّ له الأميركيون سيكون وبالا على القارّة العجوز"،وتوجّه اليهم بالقول" الموضوع لن يكون أوكرانيا-التي ستكون مخلبا لأميركا لمهاجمة روسيا، بلالموضوع سيكون تدمير أوروبا كلّها في حرب اميركا ضدّ روسيا"!
هي "مرحلة ستكون مختلفة جذريّا عن سابقاتها في أداء وتكتيكات القوات الروسيّة في أوكرانيا"-وفق ما يؤكّد خبراء عسكريّون روس، لفتوا أيضا الى انّ اختيار الرئيس بوتين للجنرال سيرغي سوروفيكين قائدا للقوات الروسيّة في العمليّة العسكريّة بأوكرانيا يؤشّر الى انّ المرحلة المقبلة من المواجهة لن يلتقط خلالها الرئيس زيلينسكي وكبار قادته ومن يسيّرهم على الأرض انفاسهم.. فالجنرال الجديد يتمتّع بخبرة واسعة في الحروب خاصّة خلال الحرب السوريّة، "حيث كان على تنسيق هام مع حلفاء سورية في ميادين قتال الجماعات الارهابيّة ومتابعة ورصد حرب العصابات التي اعتمدها الحلفاء وقوّات الجيش السوري وادّت الى نتائج هامّة"..
هذا وسط تسريبات صحفيّة روسيّة كشفت عن قرار عسكري غير مسبوق عمّمه الرئيس بوتين على كبار القادة العسكريين في اجتماع "استثنائي" في وقت متأخر من ليل السبت الماضي، فيما نقلت عن مصدرَين روسيّيَن "احتمال إقالة شخصيّتَين رفيعتين في القيادة العسكريّة واستبدالهما بأخرى "اكثر تشدّدا".
للمرّة الأولى، بادرت روسيا الى تشغيل مجمّع التشويش الإلكتروني "تيرادا" الذي يُستخدم للتصدّي والتشويش على الأقمار الصناعية المعادية..وللمرّة الأولى أيضا أدخلت روسيا مقاتلات استراتيجية على خطّ معاركها سيّما باختراقها منذ أيام أجواء بولندا- "مستودع الناتو" حيث يتمّ تجميع كل صنوف الأسلحة الأميركية والغربية لتوريدها الى الجيش الأوكراني، في رسالة ناريّة مباشرة الى الحلف المعادي" والتي على الأرجح ستُترجمها روسيا فعليّا في المناطق البولنديّة الحدوديّة في ايّ لحظة"- بحسب إشارة الخبير العسكري الروسي فلاديسلاف شوريغين.
وبعدما حسمت روسيا الجدل الذي اثاره الغرب والرئيس الأميركي بإمكانيّة لجوء الرئيس بوتين الى استخدام السلاح النووي" بعد الهزائم التي تكبّدتها قواته في أوكرانيا"-وفق زعمهم،عبر اعلان الكرملين "انّ تفعيل العقيدة النّووية الرّوسيّة لا تنطبق على تفجير جسر القرم"، اكّدت مصادر روسيّة" مبادرة موسكو الى إنزال أوراق هامّة تمّ تحييدها حتى الآن، الى ميدان الحرب".... ولربما يُفجّر الرئيس بوتين احدى اكبر مفاجآته المرتقبة بدخول قوّاته العاصمة الاوكرانيّة- حسبما رجّح القسم الإستقصائي في موقع "ارمادني ماغازين" السلوفاكي..- وهو الحدث الأخطر الذي توقّف عنده منذ أيام نائب رئيس هيئة الأركان العامّة الأوكرانيّة،محذّرا مما اسماه" خطّة اعتمدها بوتين لدخول العاصمة كييف"!
ولربما أيضا تتضمّن المرحلة اللاحقة "تحييد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نهائيا عن المشهد السياسي والعسكري في أوكرانيا"- وفق توقُّع مصدر في موقع "انتيليجانس اونلاين" الاستخباري الفرنسي، والذي لم يستبعد" امتداد الضربات الرّوسية ضدّ الحلف الأميركي-الغربي الى خارج الحدود الأوكرانية في المدى المنظور"!