أقلام الثبات
أعلنت رئاسة الجمهورية اللبنانية أنّ الرئيس ميشال عون سوف يتلقى الصيغة النهائية من اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، وأن الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، أطلعه على النتائج الأخيرة للاتصالات حول ترسيم الحدود، وتعهدت الرئاسة بأن يقوم الطرف اللبناني بدراسة التعديلات بسرعة والردّ عليها.
عملياً، تقلّصت الفجوات بين الرؤيتين اللبنانية و"الاسرائيلية" الى نقطتين:
- خط العوامات (الطفافات): الذي تريده اسرائيل شريطاً أمنياً، وهو ما لن يقبل به لبنان.
- ربط عمل توتال في البلوك رقم 9 (ومن ضمنه حقل قانا) بالتسوية بينها وبين اسرائيل، وهو ما رفضه لبنان بحق، إذ تبين فعلاً أن هناك سوء نيّة مبيّتة في هذا البند بدليل رفضه اسرائيلياً.
وقد ذكرت بعض التقارير الصحفية ان توتال تعهدت مؤخراً بفصل التنقيب في الحقول اللبنانية عن موضوع تسوياتها مع اسرائيل (وهكذا تكون هذه النقطة قد تمّ معالجتها).
وتحدث الاعلام "الاسرائيلي" باسهاب عن الانقسام بين القوى السياسية، وان الانتخابات ألقت بثقلها على موضوع الترسيم، حيث قام نتنياهو ومعه العديد من قوى المعارضة باتهام حكومة يائير لابيد بالخضوع لحزب الله، وأن الاتفاق "سيء لحقوق اسرائيل". أما على المستوى الأمني، فالواضح أن هناك اتفاقاً بين الجهات المحتلفة بأن "اسرائيل" غير مستعدة ولا تريد الذهاب الى تصعيد مع لبنان، وأن "الاتفاق جيد" كونه يجنّب اسرائيل حرباً لا تريدها.
في المقابل وعلى الجهة اللبنانية، نجد ما يلي:
أ- التشكيك بقوة لبنان:
بالرغم من تشكيك بعض الجهات السياسية والاعلامية بموقف حزب الله، فإن التهديد الحربي الذي قامت به المقاومة قد فعل فعله وحوّل مسار المفاوضات من مماطلة وتسويف وفرض شروط مجحفة على لبنان، الى إقرار بحقوق لبنان في مياهه وغازه والاقرار برفع الفيتو الذي وضعه الأميركيون ومارسوا من خلاله ضغوطاً مخيّرين لبنان: "إما أن يقبل لبنان بالتصور الأميركي (خط هوف) وأما أن يبقى الغاز مدفوناً الى الأبد".
الأكيد أن "اسرائيل" لا تفهم سوى لغة القوة، وهو ما انعكس في اعلانها أن بدء عملية الضخ التجريبي العكسي من الشاطئ إلى منصة "كاريش" هو لفحص جاهزية منظومة التوصيل البحرية بين المنصة والشبكة على اليابسة. يضاف الى ذلك، ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية أن "تل أبيب طلبت من الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين إبلاغ لبنان أنّها لن تستخرج الغاز حالياً من حقل كاريش"، وأن "تل أبيب معنية بأن تصل الرسالة إلى الأمين العام لحزب الله بأنّها لا تريد حرباً".
ب- التخوين السياسي:
صدرت العديد من الأصوات التي اتهمت المفاوضين بالتفريط بحقوق لبنان، علماً أن مروحة واسعة من الأطراف تتعامل مع هذا الملف وتبدي رأيها فيه وتدخل عليه تعديلات، منها المعلن وغير المعلن، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
1- القوى المعلنة رسمياً - التي أبدت رأيها وأعطت موافقتها على المسودة ما قبل النهائية:
- رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه.
- رئيس الحكومة نجيب الميقاتي وفريقه.
- رئيس مجلس النواب نبيه برّي وفريقه.
- الجيش اللبناني والفريق المختص.
- الامن العام بقيادة اللواء عباس ابراهيم.
- حزب الله واللجنة التي شكّلها.
2- القوى غير المعلنة رسمياً:
القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة التي أطلعها الأميركيون على سير الملف وشرحوا لهم بالخرائط تفاصيل التسوية المزمع عقدها مع لبنان، وتلك التي تنسّق مواقفها مع الأميركيين قبل إبدائها.
في النتيجة، إن مروحة القوى السياسية الواسعة جداً والفضفاضة التي توافقت (أو اطلعت) على مسودة اتفاق الترسيم يجب أن تعطي بعض الثقة بأن الاتفاق وإن لم يكن مثالياً فعلى الأقل هو أفضل ما يمكن تحصيله للبنان، ولو استطاعت الفرق المعنية تحصيل حقوق أكبر للبنان لما توانت عن ذلك، أما إدعاء البعض بأن حزب الله أعلن وقوفه خلف الدولة اللبنانية، فهذا لا يعني أنه غير معني بالاطلاع وإبداء الملاحظات وإعطاء الموافقة المسبقة على ما "سيقوم بحرب ويقدم شهداء" من أجله.
هذا في السياسة الداخلية، أما في المبادئ السياسية العامة، فيمكن الاشارة الى أمرين:
- أولاً أن المفاوضات لا يمكن أن تخاض بمنطق صفري: " أما أحصل على كل شيء، أو أنسف كل شيء"،
- والثاني، أن الأرباح تقاس بالارباح النسبية وليس الأرباح المطلقة، فكل خيار سياسي يلجأ اليه صانع القرار يجب أن يأخذ بعين الاعتبار"الكلفة- الأرباح"، وما يستطيع تحصيله بأقل كلفة وأكثر ربحاً، هو الأفضل على الاطلاق.