أقلام الثبات
بعد انقطاع دام نحو إثني عشر عامًا، بين سورية و"حركة المقاومة الإسلامية حماس"، إثر تأييد بعض أجنحة الأخيرة، "للمعارضة السورية المسلحة" التي بدأت أنشتطها في سورية، مع بدء الحرب الكونية على الشام في منتصف أذار 2011، وبعد فشل هذه الحرب في تحقيق مبتغاها، وبالتالي فشلها في إسقاط الدولة الوطنية السورية، وعلى ضوء انفتاح بعض الدول الإقليمية على دمشق، وفي مقدمها دولة الإمارات العربية، وسواها من الدول العربية وغير العربية، إن في شكلٍ علنيٍ، أو غير معلنِ، جاءت بعد ذلك "الاندفاعة التركية" تجاه سورية أخيرًا. وعلى ما يبدو فإن هذا الواقع، أسهم في رفع صوت العقل لدى بعض القادة "الحمساويين"، وفي مقدمهم رئيس المكتب السياسي في "الحركة" إسماعيل هنية، فاتخذوا قرارًا ضمنيًا بضرورة تصحيح العلاقة مع دمشق، التي دعمت حركتهم بمختلف أشكال الدعم، واحتضنت قادة هذه "الحركة" على أراضيها، رغم كل التهديدات الأميركية لسورية، على اعتبار أن واشنطن وحلفاءها، يرفضون هذا الاحتضان.
وللغاية "الحمساوية" المذكورة أعلاه، أي تصحيح العلاقة مع دمشق، بدأ هنية بإجراء المحادثات والاتصالات التمهيدية الرامية إلى تحقيق مبتغاه، منذ زيارته الثانية إلى لبنان في حزيران من العام 2021، عقب معركة "سيف القدس"، وذلك من خلال لقاءاته واتصالاته مع عددٍ من الأفرقاء والمرجعيات في محور المقاومة، الذين أدوا بدورهم، دورًا نشطًا على خط التواصل بين حماس وحزب الله (حليف دمشق وشريكها في الدم والصمود)، للغاية المذكورة آنفًا. أي على طريق تصحيح العلاقة بين "الحركة" وسورية. واستمر هنية في مساعيه، كأحد أبرز وجوه "حماس" في الداخل الفلسطيني، التواقة لإعادة العلاقة مع دمشق. فهو يعتبر بمنزلة "عراب المصالحة". واستكمل هذه المساعي، في زيارته الثالثة لبنان في حزيران الفائت (2022). وتكللت بلقائه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وتركز البحث بينهما في حينه، على كيفية تصحيح علاقة "الحركة" بدمشق. الأمر الذي لاقى ترحيبًا من سيد المقاومة، الحريص على وحدة صفوفها في المنطقة، وتوحيد أهدافها. ولما له من احترام وتقديرٍ لدى القيادة السورية، نقل السيد نصر الله إليها رغبة "حماس"، التي أكدت إثر ذلك، في بيانٍ لها، أصدرته منتصف الشهر الفائت، أن "الحركة ماضية في بناء وتطوير علاقاتٍ راسخةٍ مع سورية". وشكرت فيه الدولة السورية لوقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. لاريب أن هذا البيان، صدر عقب بروز بارقة أملٍ في سماء سورية، تبّشر بموافقة دمشق المبدئية والمشروطة على "مبادرة حماس". ولكن بعد تدخلٍ مباشرٍ من سيد المقاومة، وبشروطٍ حددتها القيادة السورية، وعلى الحركة التزام الأسس الجديدة التي وضعتها هذه القيادة، لإعادة العلاقة مع دمشق، وهي:
أولًا- أن تكون العلاقة بين دمشق و"حماس"، محصورةً بقياداتٍ من "الحركة" من غزة من الداخل الفلسطيني فقط. على أن يتقبلها الشارع السوري، قبل أي تطور لهذه العلاقة المرتقبة.
ثانيًا- إن العلاقة المستقبلية بين الطرفين، تحكمها كيفية تفاعل هذه العلاقة بينهما، وتطورها في الأيام المقبلة. أي لا يمكن من الآن رسم صورةٍ مستقبليةٍ للعلاقة بين الطرفين.
إذَا، أعاد حزب الله وأمينه العام، خطوط التواصل بين دمشق و"حماس". والغاية وحدة الصف في محور المقاومة، ليس إلا.
فلا مصلحة سياسية لدمشق، في "الاندفاعة الحمساوية" تجاه سورية، فهي تشكل العمود الفقري لمحور المقاومة، وهي ليست (أي دمشق) في حاجةٍ لكي تثبت هويتها المقاوِمة، من خلال مصالحتها مع حماس. كذلك، فإن حماس، تتلقى راهنًا، الدعم والرعاية من بعض الدول الإقليمية، وفي مقدمها تركيا، وقطر، وبإمكان قادة "الحركة" استخدام مطارات هذه الدول للسفر والجولات الخارجية، كما كان عليه الوضع في سورية، قبل العام 2011. إذا، تبقى الغاية الوحيدة من هذا التقارب بين دمشق وحماس، هو تعزيز وحدة الصف في محور المقاومة، وتوحيد الأهداف ليها، ليس إلا.