أقلام الثبات
إنتهى وقت المزايدات وجاء وقت الإمتحان، الذي يكرم فيه المرء أو يهان، إبتداء من المرشحين لرئاسة الجمهورية؛ وصولاً إلى آخر مواطن في آخر قرية نائية في لبنان. ها هو "الإسرائيلي" الطامع والمعتدي والغازي يكشف عن رفضه للمقترحات الأميركية والملاحظات اللبنانية عليها، لحل مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة، بحيث يتاح للبنان التنقيب واستخراج الغاز، بما ينتشله من أزمته المالية الخانقة. كما يتيح لكيان العدو الذي يحتل فلسطين، إستخراج الغاز وتصديره، بما يلبي حاجة أميركية وأوروبية ملحة، لإنقاذ شتاء أوروبا من الصقيع، بعدما أدت حماقة الدول الأوروبية وانسياقها خلف سياسات الهيمنة الأميركية، إلى خسارة علاقاتها مع روسيا، التي تشكل أحد ابرز مصادرها من الطاقة.
هيئة البث العبرية الصهيونية، نقلت في آخر أخبارها أن: الاتفاق مع لبنان بشان ترسيم الحدود قد يلفظ انفاسه؛ ويجب الاستعداد للمواجهة. وفي الوقت نفسه نقل الإعلام "الإسرائيلي" أن "الكابينت" (المجلس الامني "الاسرائيلي" المصغر) كلف رئيس الوزراء يائير لبيد ووزير الدفاع بني جانتس الاستعداد لاي تصعيد محتمل مع لبنان.
في هذا الوقت، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي: إن الاتفاق المقترح لترسيم الحدود البحرية بين لبنان و"إسرائيل"، الذي قدمه الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين، هو مقترح أميركي للاتفاق النهائي. في حين نقل عن مسؤول رفيع في البيت الأبيض قوله: أن "محادثات ترسيم الحدود البحرية بين "إسرائيل" ولبنان في مرحلة حرجة". ولفت المسؤول إلى أن الاتفاق تراجع لكن يمكن إنقاذه.
وكان الموقع الإخباري نفسه، قد نقل عن ثلاثة مسؤولين "إسرائيليين" قولهم بأنّ "أهم تغيير في مسودة الاتفاق الذي طالب به لبنان، يتعلق بالاعتراف بـ"خط العوامات" كحدود دولية".
وحسب المعلومات المنشورة، كان مقترح هوكشتاين يمنح "إسرائيل" "إنجازاً هاما "؛ وهو خط العوامات بطول خمسة أميال، يبدأ من الشاطئ ويمتد إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد حددته "إسرائيل" من جانب واحد لأغراض أمنية. وفي حال الاعتراف به رسمياً، سيتم منح ضمانة أميركية لاستمرار وجوده. واعتبر مسؤول "إسرائيلي" أن "تثبيته سيسمح لنا بالتعاطي معه على أنه المقطع الحدودي الشمالي للمياه الإقليمية".
وذكر المصدر "الإسرائيلي" أن الاتفاق المقترح يقطع حقل قانا إلى قسمين، الأكبر لبناني وجزء صغير ضمن حدود "إسرائيل"، التي ستتلقى تعويضاً مالياً عن الغاز المنتج من منطقتها في الحقل. موضحاً أن الاتفاق لن يحدد قيمة التعويض بل مبادئ تحديد قيمته.
وتابع أن "الحقل في قانا ليس أكبر من حقل كاريش، وهناك احتمال ألا يحتوي على كميات من الغاز". مشيراً إلى أن حجم الحقل غير واضح، وبالتالي قيمة التعويض لا يمكن أن تكون واضحة أمام الوزراء عند المصادقة على الاتفاق". فهل هذه البنود المخلة بحقوق لبنان وسيادته هي السبب في هذا الصمت الرسمي اللبناني المريب عن بنود وتفاصيل الإتفاق، التي تجعل اللبنانيين غير آسفين على رفضه من قبل المحتل "الإسرائيلي". ولعل هذا الرفض لا يخيب آمال رجال الحكم في لبنان، الذين لا هم لهم من هذا الإتفاق إلا تحصيل أموال يسرقونها ويزيدون بها ثرواتهم، التي جمعوها من تعب اللبنانيين وجوعهم. وهذا الرفض "الإسرائيلي" يسقط كل حججهم ولا يبق لهم غير التوقيع على المرسوم 6344 وإرساله إلى الأمم المتحدة.
هذا التطور يطرح تحدياً جدياً أمام كل من سجل ملاحظات، على ما سرب من بنود الإتفاق الذي صاغه هوكشتاين. صحيح أن من حق كل لبناني ومن واجبه، التنبيه إلى أن التنازل عن الخط 29 مرفوض. وأن التراجع عن صخرة الناقورة؛ وهي نقطة الحدود بين لبنان وفلسطين هو تفريط صريح. وأن القبول بخط الطفافات "ألإسرائيلي" هو تنازل عن أرض ومياه لبنانية، يسقط كل إدعاءات السيادة أو تصوير ما حصل على أنه إنتصار للبنان. وهناك فارق كبير بين حقوق لبنان وبين مطالب المفاوض اللبناني، الخاضعة للضغوط الأميركية ولتأثيرات الحصار الأميركي والخليجي المفروض على لبنان. كما أن قتال العدو دفاعاً عن الأرض والسيادة والحقوق هو واجب وشرف لمن يشارك فيه، لكن كل ذلك لا يغطي على إشكالية خطاب المزايدين في الداخل، هل هؤلاء مستعدون للقتال إلى جانب الجيش والمقاومة لحماية حقوق لبنان، خصوصاً أن الثروة الغازية إذا جرت الإستفادة منها ستكون نعمة تشمل كل اللبنانيين؟ أم ان أولئك المزايدون إذا حصلت حرب سيحمّلون حزب الله المسؤولية ويتطاولون عليه بلغتهم السوقية. وهل سيطال رد الفعل "الإسرائيلي" العنيف جونية وطرابلس وبعقلين وبشري وزحلة؟ أم أن "إسرائيل" ترى عدوها وتقصفه، في صور والنبطية وبنت جبيل والخيام وبعلبك والهرمل؟ وهل سيتهجر سكان الضاحية الجنوبية وتقصف منازلهم، فيما الآخرون يتفرجون عليهم؛ وبعضهم شامت ولا يخفي عداءه، فيما يتكرم البعض بايواء بعض المهجرين في مدارس وأبنية مهجورة. ويستغلها آخرون فرصة ليحققوا أرباحاً طائلة، في طلب إيجارت باهظة لقاء تأمين مسكن لمهجر يأوي أطفاله فيه. أو في بيع أنواع السلع للمهجر العابر، في تلك المدينة أو تيك المنطقة، باسعار مضاعفة مرات ومرات. وهذا ما حصل بالفعل أثناء عدوان تموز 2006. وهذه التفاصيل تجعل خيبة المزايدين لا تقل عن خيبة الموافقين على ذلك الإتفاق.
هذا خطاب آن أوان قوله للذين تحركهم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية لمعاداة المقاومة وجمهورها. ولكشف زيف إدعاءات الوطنية والسيادة والحياد التي يتحركون خلفها. هؤلاء كما بينت الأيام لا يريدون أن يقاتلوا "إسرائيل" ولا يقبلون من غيرهم أن يقاتلها، حتى لو كان ذلك لمنع "ألإسرائيلي" من الإستيلاء على أرض ومياه وثروات لبنانية.