أقلام الثبات
الإطلالة الأخيرة للبطريريك بشارة الراعي، عبر شاشة الجديد مع الإعلامي جورج صليبي، بدا فيها الراعي أكثر واقعيةً من أي وقتٍ مضى، وهو منذ أسابيع يشعر كأنه مُطَالب بالدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية، خصوصاً بعد التسديد على هذا الموقع من المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في معرض دفاع هذا المجلس عن موقع رئاسة مجلس الوزراء.
وبصرف النظر عن دور المرجعيات الدينية في الدفاع عن مواقعها السياسية المُتقدِّمة في الدولة، فإن الثابت أن المُغالاة في الدفاع، من أي طرف أتت، لا تُنتج توافقاً وطنياً في أي استحقاق، ولذلك، ما رأينا البطريريك يذهب بعيداً في إطلالته بالحديث عن الحياد، ولا رأيناه أيضاً ذلك المؤيد لرئيس مواجهة مع المقاومة وحلفائها، كما يذهب سمير جعجع في أوهامه، كحلقة جديدة من مسلسل "حالات حتماً" الذي يختصر مسيرة خيباته.
رئيس مواجهة، مواجهة مَن؟ وهذه البروباغندا التي سادت لوحات إعلانات القوات على الطرقات خلال الحملة الإنتخابية النيابية، ماذا تنفع جعجع في حملته على موقع رئاسة الجمهورية، وهو يُدرك، أنها صرخة في وديان لا يتلقى صداها سواه، طالما أنه لا يستطيع مواجهة أحد، ولا أحد أصلاً يفتح عليه متاريس، لكنه من قبيل عقدة "نحن هنا" يجد نفسه كما وأنه دونكيشوط" ولا يرى أمامه سوى طواحين الهواء.
عندما سُئل البطريريك الراعي عن سليمان فرنجية أجاب بنعم إذا تمَّ التوافق عليه، وأجاب أيضاً بنعم للعماد جوزف عون مشروطة أيضاً بالتوافق عليه، وهذا ما يُعتبر تبنٍّ من بكركي لأية شخصية مُعتدلة ومقبولة وطنياً، وويؤكد عدم وجود البطريريك الراعي على مدرج "مطار حالات" للإقلاع الى حيث أوهام جعجع التي فوق السحاب.
وعندما يُطالب عادةً أي فريق سياسي برئيس مواجهة، فهو بحاجة لأن يشرح على أرض الواقع، بمَن سيُواجه ومَن سيُواجه؟
لا مقرَّبين من جعجع في الشارع السُني سوى أشرف ريفي وحفنة من الحاقدين على المقاومة وحلفائها، وهو يعرف رأي الشارع الشيعي به، والطلاق مع الشارع الدرزي قد حصل بعد التكويعة الجنبلاطية، وإذا كان الطلاق عند المسيحيين من الممنوعات، فإن الشريحة المسيحية الواسعة، من عونيين وسواهم، لم تزفّ نفسها يوماً لطروحات جعجع كي يكون هناك بطلان زواج!
وعليه، وبصرف النظر عن موعد انتخاب رئيسٍ للجمهورية، وتوقيت مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا، وهذا مرهون دستورياً بتشكيل حكومة جديدة لإستحالة تسليم الموقع لحكومة تصريف أعمال، فإن مواصفات رئيس الجمهورية القادم قد اتَّضحت: رئيس مواجهة من نوعٍ آخر، وطني وصادق وموثوق، ونسخة طبق الأصل عن إميل لحود او ميشال عون لمواكبة الإستحقاقات الوطنية الكبرى خصوصاً ملف ترسيم الحدود، وحصول لبنان على حقوقه في استخراج النفط، وبالتالي، رئيس مؤمن بالمعادلة الثلاثية كضمانة مستقبلية دائمة للبنان وخلاف هذه الطروحات، "جعجعة بلا طحين" ....