الرئيس المسيحي الواثق، لا يطلب الغطاء الطائفي ـ أمين أبوراشد

الأربعاء 31 آب , 2022 09:35 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في جلسته الدورية الأخيرة منذ أيام، برئاسة المفتي دريان، تناول المجلس الشرعي الإسلامي مسألتي تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الجمهورية. وإذا كان من الطبيعي إبداء المجلس دعمه للرئيس نجيب ميقاتي وصلاحيات كل مَن هو في موقع رئاسة الحكومة أو مكلفاً بتشكيل حكومة، فإن موضوع انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية ليس بيد الرئيس ميشال عون ولا التيار الوطني الحر ولا النواب الموارنة ولا كل المسيحيين، نظراً لوجود مفارقة، أنه بمقدار ما أن دار الفتوى تحتضن كائناً مَن كان من أبنائها في السراي، بمقدار ما أن بكركي لديها حساسية على أي ساكنٍ لبعبدا أو في طريقه إلى بعبدا.

وإذا كانت دار الفتوى ومعها كل الصروح الدينية والسياسية في لبنان، حريصة على عدم حصول فراغ رئاسي، فالأولَى بها أيضاً، الدفع باتجاه تشكيل حكومة استباقاً لإحتمال التأخير في انتخاب الرئيس، وعدم جواز استلام حكومة تصريف أعمال مهام الرئاسة، سيما وأن الرئيس ميشال عون لن يكون مغتبطاً لو وجد نفسه في "إقامة جبرية" في القصر باننتظار انتخاب خلفٍ له، خاصة أنه قبل وصوله إلى بعبدا، وخلال إقامته فيها، وعشية مغادرته لها، هو دائماً الهدف المسموح إستهدافه لأن لا غطاء ديني له، ولا بركة بطريركية!

لا نحن مع تبنِّي المرجعيات الدينية لأبناء طوائفها من منطلق طائفي، ولا نحن أيضاً مع اعتبار أية مرجعية دينية نفسها، أنها المرجع الذي يُغني الناس عن المرجعيات والأحزاب السياسية والكفاءات المجتمعية، وأن تعطي ذاتها الحق في أن تُحاكِم وتحكُم بالسلطان السماوي، وأن تجزم وتقرر أن لا حاجة لرئيس قوي في بعبدا كما تفعل بكركي اليوم، مما يُعيدنا قروناً إلى الوراء في ذاكرة التاريخ وزمن صراع الكنيسة والأعيان، وخوف الإكليروس من الدولة المدنية التي تُقصيهم عن دور الرُعاة، وهذا الإرث التاريخي المؤسف، يعتبر جاذباً لبكركي التي تعتقد أن مجد لبنان أُعطي لها وثيقةً أبدية، ولو أن الكثيرين من بطاركتها فرَّطوا بهذا المجد!

والتاريخ المُعاصر للمسيحيين اللبنانيين - على الأقل منذ عصر النهضة وحتى اليوم-  ولغاية أي غدٍ مُقبل عليهم، سيبقى مبنياً على مبادىء ديانتهم ورسالة حضارتهم، وفكرهم وإبداعهم وتفوّقهم، وقدرتهم على الإنسجام مع المحيط الداخلي والمشرقي، وأن يكونوا كما كانوا، "المادة الغضروفية" التي تفصل بين المُتنازعين من الطوائف الأخرى، وهذا الدور سيبقى مشروطاً ببقاء إيمانهم المسيحي القوي وحُب الله في الآخر، مع رفض التزمُّت والتعصُّب وبازار التطييف في مسألتهم الوجودية، سيما وأنهم تخطوا زمن بولس الرسول في التبشير الديني، وبلغوا زمن الإنتشار الفكري مع رهبان المغاور وإرساليات التعليم، وفكر جبران ونعيمة والبساتنة، وصولاً الى السياسة كما عرفناها في عبقرية أنطون سعادة، ولائحة الجهابذة الكبار في كل الميادين  تطول وتطول...

وليس من مصلحة المسيحيين في لبنان تحديداً، كدولة عربية وحيدة برئاسة مسيحي، أن يحتاج أي رئيس جمهورية فيها الى صرح ديانته، لأن ما ينطبق على رئيس الحكومة عند السًنَّة وجزئياً على رئاسة المجلس عند الشيعة، وحتى على الزعامة كما وليد جنبلاط عند الدروز، لا يجب أن يكون خياراً لأي رئيس قيادي مسيحي، لأن القيادة ريادة وليست فقط حمل المبخرة رياءً في طقوس العبادة.

ولأننا نعيش الأيام الفاصلة عن الموعد الإفتراضي لإنتخاب رئيس الجمهورية، فإن المسيحيين مدعوون ليس للمُفاضلة بين الأسماء المارونية على قاعدة مَن يزحف الى بكركي ويتملَّق أكثر، ويرشح زيت "الورع والتقوى" أكثر، بل على قاعدة دراسة السيرة الذاتية والمسيرة الشخصية، والمسألة ليست بهذه السهولة ولكن، لا الشعب اللبناني عامة، ولا المسيحي خاصة، يطلب شخصية لديها رؤية وقَّادة بمستوى فكر أنطون سعادة وسائر النهضويين المسيحيين، ولا الوضع المسيحي اليوم بلغ عصر الإنحطاط الى هذه الدرجة، عندما تُترك الساحة الإعلامية المسيحية لميليشيوي كانتوني مُجرم وخارج بعفو، أن يُملي على المسيحيين وعلى اللبنانيين مواصفات الرئيس الذي يراه مناسباً، لأن أجراس الحق لن تُقرع من بكركي الى بعبدا إلا للمسيحي الحقيقي الذي يعبد الله في الآخر...


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل