أقلام الثبات
يوما بعد يوم تفقد اوروبا ,والدول الغربية عموما وزنها السياسي ,الذي كان مهتزا اصلا قبل العملية العسكرية الروسية لتحرير اقليم الدونباس من قبضة الفاشيين الاوكران , الذين تلقوا دعما اوروبيا غير مسبوق من السلاح والمرتزقة والمال .
لم تعد فكرة تفكك الاتحاد الاوروبي مسألة فيها نظر , قياسا الى الوقائع الجارية والمتعاظمة في المجتمعات التي فقدت قدرتها على التعايش مع المنظومات الاقتصادية والاجتماعية المنشأة بعد الحرب العالمية الثانية .في وقت يزداد الالتباس حول حرب عالمية ثالثة , لكنها حرب مغايرة في التحالفات مع جنوح الدول الغربية عموما نحو حضانة القوى الفاشية والنازية الجديدة والمتجددة .وهذا الاتجاه تغذيه سياسات الولايات المتحدة الاميركية العسكرية القائمة على نشر الحروب , من اجل توسيع النفوذ بما يفتح اسواقا جديدة لمنتوجاتها من الصناعات الثقيلة الى الخفيقة .
ان التغاضي ,عن احتمال جدي وكبير بوقوع كارثة نووية تدفع ثمنها اوروبا مع اوكرانيا جراء استهداف محطة زابوروجية الكهروذرية ,بعمليات قصف تحت اشراف الخبراء الغربيين ,من اسلحة مختلفة , بينها الطائرات المسيرة والصواريخ الدقيقة, والتركيز على مخازن الوقود النووي المستهلك , يثبت ان ابادة قسم من البشرية , في العقول الفاشية , ليست ذي اهمية في سبيل تحقيق الاحلام الاستعمارية .
منذ سيطرة القوات الروسية على المحطة النووية , وتأمينها , وابقاء العمل فيها لما تؤمنه من حاجات للشعب في اوكرانيا , تسعى الولايات المتحدة ,لاعادة القوات الاوكرانية , والفصائل الفاشية الى المحطة , او وضع المحطة تحت اشراف قوة متعددة الجنسيات ,تكون خاتما في الاصبع الاميركي , أضافة إلى وضع العراقيل امام زيارة وفد من وكالة الطاقة الذرية لتقييم الوضع والمخاطر سيما وان روسيا اوضحت سواء في الامم المتحدة , او مجلس الامن الدولي ضرورة قيام الوكالة الذرية بالاطلاع على حقيقة ما يجري, مع تقديم كل الضمانات اللازمة تلافيا للكارثة المقبلة على اجنحة الغربيين .
من الواضح ان الحديث المطول بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين , والفرنسي ايمانويل ماكرون بعد طول انقطاع , اقتنع الاخير بعد تلكؤ ,انه يمكن تلافي الكارثة المقبلة على اجنحة الغربيين , وعليه ان يبادر للمساهمة في منع الحاق اضرار جديدةوكبيرة على القارة الاوروبية تحديدا , تفوق بكثير , الاضرار الاقتصادية والاجتماعية بحق الانسانية الناجمة عن العقوبات المتعددة الاوجه التي تورطت فيها اوروبا خوفا من العصا الاميركية .
ان العبارة التي استخدمها رافائيل غروسي مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إن بعثة الوكالة ستتوجه إلى محطة زابوروجيه الكهروذرية،كافية للتدليل على من تلكأ , وعرقل فهو كتب : "لقد حل أخيرا هذا اليوم. بعثة الدعم والمساعدة التابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في طريقها بالفعل إلى محطة زابوروجيه الكهروذرية. يجب علينا ضمان سلامة وأمن أكبر منشأة نووية في أوكرانيا وأوروبا.و ستصل إلى المحطة في وقت لاحق من هذا الأسبوع".
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، ستضم البعثة 14 شخصا، معظمهم من دول محايدة، بما في ذلك رئيس الوكالة الأرجنتيني رافائيل ماريانو غروسي. ولن تضم البعثة أي ممثل عن الولايات المتحدة وبريطانيا.
بموازاة الفشل الاميركي - الناتوي في هذا الكباش , انبرى الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ،الى محاولة اختلاق بؤرة توتر كانت تتفاعل حماوتها قائلا : يجب على الحلف تعزيز دوره, وزيادة تواجده في منطقة القطب الشمالي مع الأخذ بعين الاعتبار تنشيط الأعمال الروسية والصينية هناك, وان التعاون بين روسيا والصين في منطقة القطب الشمالي الغنية بالموارد، يشكل "تحديا لقيم ومصالح الحلف".ولقد"اتفقت بكين وموسكو أيضا على تنشيط العمل التطبيقي في منطقة القطب الشمالي. ويعد ذلك جزءا من الشراكة الاستراتيجية المعمقة التي تتحدى قيمنا ومصالحنا". و"لا شك في أن قدرة روسيا على تعطيل تعزيزات الحلفاء في شمال الأطلسي، تشكل تحديا استراتيجيا للحلف".هذا بالتوازي مع أعلان وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة تخطط لإنشاء منصب سفير للقطب الشمالي وذلك لتحريك السياسة الأميركية فيها.
ليس مستهجنا مسار التوتير مع روسيا والصين من جانب الناتو عموما والاميركيين خصوصا , رغم تعمق الازمات في اوروبا جراء العقوبات المفروضة على روسيا بسبب "غباء النخب السياسية الأوروبية وقصر نظرها الاستراتيجي"، وفقا لتوصيف الكثير من الباحثين الاستراتيجيين في الغرب ,واختصر احدهم الوضع كالتالي "أن الوضع في أوروبا يتدهور، وأن القضايا التي تواجهها الدول الأوروبية حاليا متشابهة "ألى حد ما" وبينها التضخم ونقص الطاقة وعدم استقرار العرض والاستنفاد المالي بسبب النزاع الأوكراني، "يزداد عدد الدول الأوروبية التي تنغمس في أزمات سياسية . فقد استقال عدد من الحكومات بما في ذلك في بلغاريا وإستونيا وبريطانيا وإيطاليا". مع الاشارة الى التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي حذر الفرنسيين من أنهم سيواجهون أشهرا صعبة، لأن العالم يشهد "تغيرات عظيمة" وأن "الحرية لها الثمن".مع التشديد بان أوروبا ستواجه "خريفا سياسيا حارا" و"شتاء باردا مليئا بالغموض بسبب غباء نخبتها السياسية وقصر نظرها الاستراتيجي".
ويحذر خبراء مرموقون , من قطع روسيا التام لإمدادات الغاز عن الاتحاد الأوروبي عبر "السيل الشمالي 1"، ما قد يؤدي إلى نفاد احتياطيات الغاز الأوروبية حتى نهاية العام الجاري، مع حلول الصقيع.وقال خبير أمن الطاقة فاليري تشاو إن "الاتحاد الأوروبي في حالة فوضى، لأن بوتين قد يوجه ضربة قاضية في حرب الطاقة".و أنه لا يوجد لدى الاتحاد حتى الآن مصادر بديلة عن الغاز الروسي لتجنب مثل هذا السيناريو.
اما بريطانيا التي شكلت رأس الحربة لاميركا , فقد بدأ صراخها يعلو من تداعيات سياساتها الموغلة في التحدي الاحمق , فظهرت مؤشرات اجتماعية خطيرة لم تكن في حسابات ساسة التبجح الاعلامي وأفادت صحيفة "التايمز" البريطانية بتراجع تأييد البريطانيين فرض عقوبات جديدة ضد روسيا، وسط الارتفاع الحاد لفواتير الكهرباء والطاقة وغلاء المعيشة الناجم عن العقوبات المفروضة ضد روسيا,فيما كشفت صحيفة "غارديان"، إن عشرات الآلاف من اللاجئين من أوكرانيا قد يفقدون البيوت التي تأويهم في بريطانيا.واوضحت انه "قد يتشرد 50 ألف لاجئ أوكراني في بريطانيا العام المقبل. لقد تم تحذير الحكومة من هذه المشكلة، لكن الوزراء يرفضون تقديم حزمة دعم جديدة لمعالجة الأزمة التي تلوح في الأفق", وبالتوازي اعلنت وزارة الدفاع البريطانية انه لم يعد لديها مخزون سلاح ولا تمويل لارسال اسلحة الى اوكرانيا.
لقد اختزل رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون،المشهد في بلاده بانه : "ستكون الأشهر القليلة المقبلة صعبة، وربما صعبة للغاية. ستكون فواتير الطاقة الكهربائية مذهلة للسكان. وبالفعل باتت فواتير تدفئة المنازل مخيفة جدا بالنسبة للكثيرين منا".
اذا كان هذا حال بريطانيا "العظمى"صاحبة الاقتصاد الكبير فما هو حال دولة كبيرة كبولندا من حيث المساحة والتعداد البشري , التي تزحف اليها المجاعة جراء الاستنزاف الناجم عن التورط الاحمق في اوكرانيا على امل المساعدات الغربية , و"جمركة", كل ما يعبر اراضيها الى اوكرانيا .
لقد بات معلوما ان معاناة اوروبا ككل , وكل دولة بمفردها تنتقل من ازمة الى اخرى اكبر واكثر معاناة , ويراهن كل على حدى بفكفكة ازماته واهمها الغاز والنفط واسعارهما مع اليقين أنه ليس ممكنا التعويض عن فقدان الإمدادات من روسيا بالكامل، في وقت يحاول الاميركيون اغراء الاوروبيين بتسعير منخفض للمنتج الروسي خصوصا والعالمي عموما في الزمن الاتي( سقف السعر عند 48 دولارا للبرميل.) ,و قام مبعوثون من وزارة الخزانة الأمريكية بزيارة معظم البلدان المستهلكة وحتى المنتجين خلال الصيف. وحتى الآن، لم يحققوا كثيرا من النجاح. فلم يؤيد أحد على الأقل فكرة سقف السعر باستثناء أعضاء مجموعة السبع.
في الواقع وضعت روسيا ميزانيتها الاتحادية من دون عجز، انطلاقا من سعر للنفط يتراوح بين 40 و 42 دولارا للبرميل.واذا كان تسعير ال 48 دولارا فقد يتم شراء كل النفط الروسي بهامش ضخم. وفي هذا الامر ماذا ستفعل السعودية،وهل تبيع أيضا نفطها بأقل من 50 دولارا؟
وبالتالي، لدى روسيا والمملكة العربية السعودية ما تتفق عليه في ت1 في إطار أوبك+. وعلى الأرجح، لن تنجح مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في تحديد سقف أسعار للنفط الروسي.
من الظاهر ,ان اوروبا ستدفع الاثمان الاغلى على كل المستويات , ولا يمكن تجاهل بعض التحليلات , بان واشنطن تدفع الاوروبيين الى الهاوية لغاية في نفس المستعمر الذي يعيث قتلا وتوترات ليستمر, كمصاص الدماء.