الأربعون ربيعاً.. والنصر الآتي ـ يونس عودة

الثلاثاء 23 آب , 2022 09:33 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

في ختام احتفالات الاربعين ربيعا، لا يمكن لمن يملكون بعدا استراتيجيا في قراءة الاحداث، الا التوقف امام سلسلة عبر ودروس، ربما شاهدها العامة كأحداث بام العين، وراكمت شعبية، بات اسمها البيئة الحاضنة التي خرج منها مجد التضحيات الاغلى، من الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم، ومنهم من حمل اوسمة في خلايا وعظام جسده، واحتمل الألم، لان الامل بالتحرير وبوطن حر حقيقة، فراية شعبه بالكرامة الوطنية، تعلو على الجراح والالم.

لم تكن ادارة الحرب ضد العدو دوما، تشبه اية ادارة للحروب السابقة، بين العرب، والكيان الغاصب المؤقت، عندما كان للعرب رجال يؤمنون بمواجهة الاعداء، ولو تكاثفت الامم الفاجرة ضدهم، ولا على مستوى حروب العصابات التي كانت نهج الثوار في العالم لتحرير بلادهم من الصين الى فيتنام الى كوبا، ونيكارغوا، وفنزويلا، الى العديد من دول الكاريبي وافريقيا، وكلها تمكنت من طرد المحتلين والمستعمرين.

لم تكن انطلاقة المقاومة الاسلامية في لبنان ضد الاحتلال الاسرائيلي، حدثا يشبه احداث انطلاقة المقاومات، في بلد مثل لبنان، كانت قوى اخرى اعلنت بالرصاص مواجهة المحتل، منذ اللحظة التي احتلت قواته عاصمة لبنان - بيروت، حيث انطلقت جبهة المقاومة الوطنية وبدأت بتوسيع ضرباتها ضد جنود الاحتلال، من العاصمة الى اول نقطة وقعت تحت الاحتلال، وحققت انجازات هامة، اولها طرد الاحتلال من بيروت وهو يصرخ ويناشد بان "لا تضربونا، اننا منسحبون".

ان الضربة الاولى الموجعة جدا التي تلقاها الاحتلال، كانت بتدمير مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي في مدينة صور، عندما اقتحم الاستشهادي احمد قصير بسيارته التي كانت تدرب على القيادة قبل فترة قصيرة، وهو ما أذهل الاحتلال ليس فقط من حيث حجم الخسائر ونوعيتها، لا بل أدرك بعد فترة ان المواجهة تغيرت ليس في الاسلوب وحسب، وانما عبر نوع جديد من البشر لم يشهد مثيلا له منذ 34 عاما، اي منذ انشاء الكيان على ارض فلسطين.

ان ثلة قليلة من الشباب المصمم، بارادة لا تعرف طريقا للمساومة، ولا تريدها اصلا، سرعان ما التف حولها الناس الذين بدأوا في التقاطر الى صفوفها , بينما كانت جماعات لبنانية , ولا سيما التي استدعت الاحتلال واستقوت به ,تنظر لاتفاقات 17 ايار بما فيه من ذل واذعان ,وشعارها "العين لا تقاوم المخرز", ونحن نريد الحياة ونحبها , ولا فرق ان كنت عزيزا او ذليلا .

ليس مصادفة ان الاطراف نفسها , مع بعض الانتهازيين التاريخيين الذين اعتقدوا ان العصر الاسرائيلي سيحل عليهم هذه المرة , هم انفسهم الذين يعلنون اليوم بوقاحة ان محاربة حزب الله اولوية لهم , وليس مصادفة ابدا , ان مرجعيتهم العليا , مجرد موظف في السفارة الاميركية ,ولا بأس من توجيههم عندما يحضر سقير او موفد من الخارجية الاميركية , مثل الموظف السابق ديفيد شنكر الذي فضحهم بعد ان انهيت خدماته , او عاموس هوكشتاين الذي يأملون بالدبس من قفاه .تارة عندما يلوح لهم بالجزرة , واطوارا بالعصا عندما يقصرون في وظيفة التخريب والتشوية .

لقدد حققت المقاومة على مدى اربعين عاما من عمرها دائم الشباب , انجازات هائلة ,من التحرير للأرض بلا اي اتفاق او مساومة , الى هزيمة العدو المدوية في العام 2006 , الى اقامة توازن رادع مع العدو , والرد على اي انتهاك , او اعتداء مهما كان صغيرا , ولو عرضيا , الى القضاء على الارهاب - صنو اسرائيل , وان بجلباب اخر , وقد تنامت قدراتها وتعاظمت , كما توسعت بيئتها, يقينا وثقة غير مسبوقين .حتى باتت كل قوة غاشمة تشعر بانها مهددة في الاندحار , ليس على المستوى المحلي , بل ابعد بكثير , ليجري تصنيفها كعدو اول في الولايات المتحدة , التي تعيش اليوم حالة فقدان الوزن الذي ارادته من خلال فرض سطوتها على العالم كقطب اوحد يتمتع بمرجعية الدول وادارتها كما يحلو للشركات الاميركية .فالولايات المتحدة التي تعمل على نشر الحروب والفوضى في العالم على امل السيطرة على الثروات الاقتصادية ,مهددة فعلا بان تصبح الحرب الأهلية فيها سيناريو محتملا للغاية. وهو ما تشير اليه استطلاعات الرأي الاميركية بصراحة , وغالبية الاميركيين ينتظرون ما ستتمخض عنه الانتخابات النصفية بحيث  أن السيطرة على الكونغرس هو أمر حيوي لكل من الحزبين، إضافة إلى أن الوضع الاقتصادي في أوروبا هذا الشتاء، ثم في الولايات المتحدة، سيؤدي بالفعل إلى احتجاجات جماهيرية، ما يعني التطرف وتسريع جميع العمليات.

اذا كانت الادارات الاميركية بشقيها الجمهوري والديمقراطي، هي من اوصلت الولايات الى شقاق شعبي يلهث غالبيته وراء العنف، وباتت حسب الاستطلاعات ان النسبة الاعلى لا ترى حل الازمات الداخلية الا عبر العنف , تماما كما تفعل الادارات كمنهج على المستوى الدولي ,فان ذلك لن يسمح به  في لبنان , عبر تحريض اتباع اميركا على المقاومة التي تعمل الان كما كل ان على تحرير الثروة اللبنانية من الاطماع الصهيونية.

في ذكرى الاربعين ربيعا , باتت المقاومة اكثر حضورا على المستوى العالمي , مهابة الجانب , وعدها صادق , تحالف من يجد في نفسه مواصفات الكرامة الوطنية ,وباتت تجربتها ومنذ سنوات تدرس  , وتنال الاحترام الدولي , ليس لمهاراتها في الميدان فحسب , بل  لعمقها الانساني , ولصيانتها الامانة الوطنية بضمير.

ان المواجهة اليوم مع العدو , هي الاكثر دقة , وتدير قيادة المقاومة دفتها بمهارة , رغم كل الذباب الذي يكره عطر النصر لا يعيش الا قرب القمامة ,وغدا عندما تلوى يد العدو مجددا , سيحاول الخناسون ان يتقدموا الصفوف , ويقولوا بفجور انه لولاهم لما تحقق الانجاز الذي يوازي تحرير الارض واكثر.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل