أقلام الثبات
عشر نقاط تناولها السيد سمير جعجع في المؤتمر الصحافي الذي عقده يوم الإثنين الماضي. وكعادته، لم يخرج عن العموميات في الهجوم على الخصوم، لأن جعبته خالية من الوقائع والحيثيات والدلائل، وبقي المضمون ضمن ما يسمُّونه في الأدبيات السياسية اللبنانية، اتهاماً سياسياً، بينما هو في علم الأدبيات الإنسانية العامة رمي حرام وانعدام ضمير، وهو تحديداً لغة العاجزين عن فعل شيء سوى التنظير، تماماً كما كانت شعاراتهم في الإنتخابات النيابية الماضية تحت عنوان : "نحنا بدّنا ونحنا فينا".
ونحن إذ نعرض في عُجالة ما تناوله جعجع في مؤتمره، لا نتوجَّه بكلامنا الى خصومه لأنهم يعرفونه جيداً،ولا الى حلفائه لأنه بات خالي الوفاض من الحلفاء بعد تكويعة جنبلاط، بل نحن نتوجه الى أتباعه، ونترك لهم قرار تحكيم المنطق في الحُكم على كلام "الحكيم".
في حديثه عن جنبلاط قال جعجع: "له سياساته ولنا سياساتنا، ونعتبر أن النقاش مع حزب الله بما خصّ الرئاسة يعتبر عوداً على بدء"، بمعنى أن جعجع سوف يُقصي واهماً ثلث الشعب اللبناني عن البحث في الملف الرئاسي، وهو ربما نسي أن كرسي بعبدا بقي خالياً لمدة سنتين ونصف لأن حزب الله رأى في ميشال عون الرئيس الذي يجب أن يصل، ويعرف السيد جعجع، ويتجاهل من باب المُكابرة على الواقع، أن حلفاء حزب الله مع بيئة الحزب يشكلون ثلاثة أرباع الشعب اللبناني، وهُم مَن يقررون إسم الرئيس عبر تكتُّلهم خلف الكتل النيابية التي تمثلهم، وليست كتلة من بضعة عشر نائباً قواتياً تتوسَّل القًرب من بضعة عشر نائب تغييري لتكبيرالحجم على قاعدة النفخ الإصطناعي بينما جماعة التغيير يرفضون هذه القربى مع معراب.
ليست حسرة جعجع في المهوار الذي هو فيه، أنه ينظر الى جنبلاط الذي هو فوقه على الكوع، ناتجة عن التكويعة الأخيرة لهذا الأخير، بل لأن جنبلاط كان الحليف الأخير بعد موجة النبذ التي تعرَّض لها جعجع خلال الإنتخابات النيابية الماضية، والرفض الشعبي على المستوى السنِّي لأي تحالفٍ معه، إما على خلفية ارتكابه جريمة قتل الراحل رشيد كرامي، وإما على خلفية الغدر بسعد الحريري يوم اعتُقِل في الرياض، سيما وأن جعجع هو المندوب السامي للسفير السعودي في لبنان، والأداة الأقرب الى يد السفيرة الأميركية للحرتقة على الموقف الوطني اللبناني عند اللزوم.
مشكلة جعجع، أنه منذ "حالات حتما"، سوريالي زيادة عن اللزوم، ونأتيه بمثالٍ من عُقر داره القواتية على لسان النائب القواتي السابق سيزار معلوف، الذي قال بعد الإنتخابات النيابية تعليقاً على إعلان جعجع عدم الرغبة بالمشاركة في حكومة ما بعد الإنتخابات: "كل هذه الشعارات التي أطلقها جعجع على لوحات الإعلانات في الشوارع، هل سوف يحققها من معراب أم يجب تحقيقها ضمن حكومة؟"، وأمام رفض جعجع الحوار مع حزب الله والتيار الوطني الحر في أي شأن يتَّصل برئاسة الجمهورية أو حكومة الوحدة الوطنية التي يرفضها جملةً وتفصيلاً، فإن الرجل الذي يُغالي في تكبير حيثيته، ويعتبر نفسه المرشح الطبيعي لرئاسة الجمهورية، قد وصلته الرسائل من كل اللبنانيين، وكانت آخرها من شريكه في كذبة مصالحة الجبل، أن مَن لا يقرأ المتغيرات الدولية والإقليمية، والحيثيات الداخلية للقوى السياسية والشعبية، عليه أن يرعوي عن إعطاء نفسه الحجم الذي لا يُضاهي حجراً في قاع مهوار.
ننتهي مع بيت القصيد وننصح من منطلق ذرَّة الإيمان الباقية لدينا في الرهان على عودة كل ضالّ:
إذا كان الشارع الشعبي السُنِّي قد قال كلمته برفض التقارب حتى الإنتخابي مع جعجع، والشارع الشيعي يُقهقه عندما يتوجَّه إليه جعجع بخطابٍ وطني، والشارع الدرزي قد أعلن الطلاق معه على الكوع الجنبلاطي، فإن ما ينتظر جعجع سيكون أقسى مع الشارع المسيحي العوني، بعد مغادرة الرئيس عون بعبدا الى الرابية، لأن العونيين على المستوى الإعلامي ضاقوا ذرعاً من حقده على العهد طيلة السنوات الست الماضية، وكبَّلتهم قيود القيمة المعنوية لكرسي الرئاسة المحسوبة عليهم ولكن، هُم ينتظرون عودة سيِّد القصر الى الرابية، وجنون الحق طال غيابه، وأطال الحبل لزمرة العملاء الدجالين وسيادييّ الزمن الرديء، وسيلحق بهم العونيون رجماً حتى وإن باتوا في المهوار الأبدي... .