أقلام الثبات
لم تهدأ بعد، عواصف الكلام الهوائي بين فلول قوى 14 اذار جراء اللقاء السياسي بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وبعض اركانه الذين غابوا عن الصورة لفترة من الزمن , ووفد حزب الله ممثلا بمساعد الامين العام للحزب الحج حسين خليل , ورئيس لجنة الارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا. لا بل ان اللقاء اصاب البعض بشلل نصفي، وهو يحاول ان يسبر اغوار اللقاء، الواضح نهارا جهارا في اسبابه ومراميه.
من التفسيرات، المعتمدة على العرافين، وضاربي المندل وقراءة الكف والتوقعات المكتوبة سلفا في غرف التحكم عن بعد، وليس لغة الجسد وقراءة الجمل الصادرة عن اللقاء بمسؤولية سياسية، ان ما حصل انقلاب من جانب جنبلاط على "رفاق السيادة", الذين لم يطلعهم مسبقا على نيته في اللقاء مع حزب الله، المصنف عدوا رقم واحد، بلا منازع، ان كان للكيان الصهيوني المؤقت ام للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.
لا شك ان صدمة الانتخابات النيابية بما انتجته لتلك القوى رغم رصد الاموال غير المسبوقة والتهويل بالويل والثبور وعظائم الامور على لبنان واللبنانيين, لم يستفد اولئك من نتائجها ومعانيها , وكذلك في انتخاب اللجان النيابية , كنتيجة لفشلهم في الامتحان الوطني على كل المستويات , ووضع انفسهم دمى تتحرك بشعارات مهللة على مقاساتهم , وقدراتهم المنفوخة اعلاميا كدجاجة "ام عساف".
من المحزن ان تسمع الشيء ونقيضه , من مكونات يفترض انها تتلقى توجيهات من ادارة واحدة , دون ان تدرك تلك المكونات المتحالفة ان العم سام يوزع الادوار , وحيثيات المخاطبة , لكن المهمة الاولى للجميع تتلخص بان تكون الجملة الوحيدة الموحدة تتعلق بحزب الله واستهدافه مع السلاح الذي يرعب "اسرائيل ", ومن يسوق لمشروع الاستسلام لإرادتها في المنطقة.
على سبيل المثال , فان بعض المطالبين بالحياد النشط ويسمون انفسهم بالسياديين ,يتكلمون عندما توجه اليهم اسئلة على الهواء , بان الطائرات الاسرائيلية اخترقت السيادة اللبنانية , واستخدمت الاجواء اللبنانية في العدوان على سوريه , وقصف مواقع للجيش العربي السوري في محيط طرطوس- , بل هم يبررون العدوان بان لامعطيات لديهم , واذا سئلوا عن المعطيات المطلوبة في انتهاك السيادة ينتقلون الى الاسطوانة المشروخة ان حزب الله هو السبب !
اما "السياديون" ,الساديون - المازوخيون في الوقت نفسه ,فقد استطابوا لحس المبرد, ويركزون حملتهم الاستباقية على الانتخابات الرئاسية , وقد اعلنوا صراحة ان اي رئيس لن يكون على خاطرهم ,وربما يريدونه دمية اميركية , فان البلاد الى خراب , اي انهم سيذهبون الى حرب اهلية , وهم يروجون الان ان لا تأثير في العملية الانتخابية, لا للسعودية, ولا لفرنسا , وبالتالي , لم يجرؤ اي منهم على القول إن الولايات المتحدة تريد ذلك .ويرفضون بشدة التوصل الى شخصية رئيس تسوية ايضا.
صحيح ان السعودية غاضبة نسبيا على الذين خدعوها بأنهم سيحققون اغلبية نيابية موصوفة ستقلب البلاد رأس على عقب , وهم يعلمون انهم لا يقدرون ,وراهنوا على" التهويش والبهورة" ، اعلاميا لتغيير مزاج الرأي العام , كمقدمة لانتقام الحاقدين على المقاومة وانجازاتها , وها هم اليوم يعيدون الكرة برفض ان تكون الانتخابات الرئاسية ديمقراطية في البرلمان , ومنهم من يرى ان تعطيل العملية في مجلس النواب تصبح ضرورة تبيح المحظور دستوريا وقانونيا , رغم انهم شنوا في السابق حملات لا مثيل لها في دفاتر شياطين واشنطن في التشويه والكذب ,بذريعة تعطيل المجلس النيابي .
صحيح ايضا ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون , كان وعد بحمل مبادرة حل للازمة اللبنانية بعد الانتخابات الفرنسية , وهذه الاخيرة شكلت فاجعة له لخسارة الاكثرية البرلمانية في بلاده وبات شبه اسير للقوى الصاعدة , لكن هل يمكن للذين لا زالوا يعتبرون ان فرنسا لا تزال الام الحنون , ستترك الامومة , لاميركا وشياطينها , دون ان تنبس ببنت شفة , وهم يعلمون ان الامر خلاف ذلك.
كل ذلك "كوم", وما قاله رئيس حزب " القوات اللبنانية" سمير جعجع "كوم" اخر , بالغمز من قناة جنبلاط "كل دعوة ترمي إلى أن نتفاهم مع محور الممانعة على الرئيس مرفوضة"،, وكأن محور الممانعة كما سماه لا ينام الليل ولا النهار بحثا عن طريق للحوار والتفاهم معه ,وهو الذي اعلن انه " نريد رئيس تحدٍّ ليس بالمعنى الشخصي للكلمة وإنما إذا لم نأت برئيس يتحدى سياسات جبران باسيل و«حزب الله».وبالتالي، أن يكون لمحور الممانعة صلة ما بالرئيس القادم والحكومات المقبلة، يعني على ما يقول أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله تخبزوا بالأفراح".
من المضحك المبكي , ان من يطلب رئيس تحد , لارادة شريحة واسعة من اللبنانيين , هونفسه وفريق الشتات الذي معه , اعلنوا مرارا انهم يرفضون اي شخصية تمثل تحديا ولو لشريحة بسيطة من المكونات اللبنانية , لا بل يطلب "رئيس انقاذ ".
من الطبيعي ان يطلب الجميع رئيسا للانقاذ , ولكن ممن , ولماذا لا تكون الجرأة هنا,, بعيدا عن الانتقام الشخصي ,والتسمية بصراحة ان الولايات المتحدة تسببت بالمأسي اللبنانية من الاقتصاد الى الحصار المالي , وكل ما حصل من تداعيات على المستوى المعيشي والخدماتي , وعلى مؤسسات الدولة التي باتت عاجزة عن انجاز ابسط المعاملات للمواطنين.وهذا الامر يفترض ان يكون من ابسط الواجبات السياسية , حتى للفاشلين في الانتماء الوطني .
وفي سياق العبثيات السياسية قال جعجع :"نريد رئيساً "يكون رجّال" وسيادي واصلاحي بامتياز، والإتفاق مع الفريق الآخر على رئيس بهذه المواصفات مستحيل، الحل هو برئيس جديد ومن يستطيع الوصول إلى الحل هم أطياف المعارضة الذين تقع على كاهلهم مسؤوليّة كبيرة وإلا لماذا خاضوا الإنتخابات النيابيّة ووعدوا الناس بالإنقاذ؟".متهما وهو المنادي ب "الديمقراطية " على طريقته ,بأن من يفشل جهود المعارضة في إيصال اسم جديد لرئاسة الجمهورية بـ«الخيانة»، ما يطرح السؤال على الجمهور التواق للاستقرار , اليس هذا من ضمن خطاب الكراهية والتخوين ؟
من الواقعية بمكان , ومن الضرورات المتوجبة على كل من يتحدث عن الديمقراطية والخيانة ان يضع مرآة امامه اثناء الحديث في هذه الشؤون , والمرآة كفيلة باظهار كل نفس امارة بالسؤ.