16 عاماً من النصر وتراكم القوة ـ أحمد زين الدين

الإثنين 15 آب , 2022 12:25 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

14 آب 2006 سيبقى الحدث الأهم في التاريخ العربي المعاصر.
منذ سقوط غرناطة في الأندلس في الثاني من كانون الثاني عام 1492م، حينما قام آخر الخلفاء المسلمين محمد الثاني عشر بتسليم غرناطة لفرناندو الثالث ملك قشتالة، قابلاً بشروط الاستسلام المذلة التي فرضت عليه.
بين 12 تموز و 14 آب 2006، فيما كان المقاومون يضيئون القمر، كان قسم واسع من أعضاء مجلس الوزراء برئاسة من حضن كونداليزا رايس في السراي حين بشرت بأنه "من رحم تلك الحرب سيولد الشرق الأوسط الجديد"، حتى اللحظات الأخيرة يراهن ويشترط من أجل سحب سلاح المقاومة.
من ينسى حركة جيفري فيلتمان الواسعة صديق وملهم 14 آذار، وكيف طرده ميشال عون من منزله، حينما احتج أمامه كيف يوفر الإقامة والملجأ للنازحين، وأن هؤلاء لا عودة لهم إلى قراهم وضاحيتهم، لأنهم سيكونون في جنوب العراق.
هل يمكن للبناني لديه ذرة ضمير ووجدان وطني أن ينسى عشاء السندويشات في السفارة الأميركية في عوكر لقادة 14 آذار برعاية ناظرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس.
حبذا لو يأتي يوم وتذاع فيه نقاشات اجتماعات مجلس الوزراء في تلك الحرب، وما حملت من نقل لشروط إسرائيلية وأميركية، وكيف تصدى لها الرئيس المقاوم إميل لحود الذي أشهر موقفه منذ اليوم للحرب العدوانية بأن المقاومة ستنتصر حتماً، وهو منذ الأسبوع الأول للحرب كان في الضاحية الجنوبية بين الركام ومع الناس مؤكداً إيمانه بحتمية الانتصار على العدو.
16 عاماً مضت على تلك الحرب، وسيبقى كل حر وشريف في هذا الوطن وهذه الأمة، يتذكر تلك الحرب والانتصار التي من رحمها أسس لزمن آتي يولد من عرق ودم وسواعد المقاومين.
بكل بساطة نقولها: نعم للمقاومة
أعجب ذلك هؤلاء الذين يثرثرون عن "دولة ضمن الدولة" أو "فوق الدولة" أو "تحتها".
فنحن الجيل الذي عاش أزمنة الشعارات الكبيرة والأحلام الكبيرة.. وحتى الصغيرة، كما عاش الشعارات الصغيرة بصغر عقول من أطلقها: مثل "قوة لبنان في ضعفه" كما عاش الخيبات وهزته الهزائم.
وأيضاً، استعير من الزميل نبيه برجي: "بمنطق من يعلم الكثير من الخفايا التي جعلت ملف الغاز، هو الملف الساخن، ينام لتلك السنوات في الثلاجة، فيما كان (الإسرائيليون) يحفرون ويبنون منشآت الإنتاج والتسويق على قدم وساق".
الدولة، الدولة، عندنا حيرتنا وضيعتنا بين خط 23 و 29 وخط هوف وهلم جرا.
والجندي الذي خدم في الجيش "الإسرائيلي" أموس هوكشتاين، الذي عينته الولايات المتحدة وسيطاً في ملف ترسيم الحدود البحرية في لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة وهو من أبوين يهوديين أميركيين مهاجرين، كان قد خدم في جيش الاحتلال، وعمل مستشاراً لرئيس وزراء الاحتلال الميت شيمون بيريز، يناور كثيراً أو قليلاً، وهو كف ولو إلى حين عن أسلوب "شايلوك"، عندما وصلت مسيرات المقاومة فوق حقل "كاريش" بينما وزير خارجية لبنان انزعج من رحلة المسيرات، وكذلك من الفيديو الذي حمل رسائل هامة إلى تل أبيب وواشنطن..
لكن أيضاً من يقنع فارس سعيد التخلي عن شرطه الحازم الحاسم وجبهته المطالبة "برفع الاحتلال الإيراني" عن لبنان؟
من يقنع أشرف ريفي أن حزب الله لم تتراجع قدراته، وأن دوره الإقليمي ما زال قوياً، وما دليل آخر نسخة من انتصارات محور المقاومة على العدو في غزة، إلا بيان بسيط في سجل انتصارات هذا المحور.. فهل يقتنع أبو "أبطال المحاور" في طرابلس؟.
من يقنع سيد معراب بالتوقف عن رهاناته الخاسرة دوماً، من "أمن المجتمع المسيحي فوق أي اعتبار" إلى "حالات حتماً"، وما قبلها وما بعدها مروراً بشعار "فليربح الإخوان" في سورية؟
ومن يقنع كل ورثة "قوة لبنان في ضعفه" أن يتحلوا بقليل من الإحساس والعنفوان الوطني.
بأي حال، ففي لبنان ثمة مسؤولين، تحدوا وتصدوا ورفضوا أن يحنوا رؤوسهم أمام الذل.
بشارة الخوري أول رئيس للجمهورية في زمن الاستقلال رفض تأييد مشروع حلف الدفاع المشترك أو ما يطلق عليه مشروع ترومان، في نهاية أربعينيات القرن الماضي لأنه يضرب أسس الصيغة والميثاق الوطني، فالتقت المصلحة الإنكليزية مع المصلحة الأميركية للإطاحة به.
البطريرك مار بولس بطرس المعوشي، اصطدم بالرئيس كميل شمعون بسبب سياسية الأخير الخارجية، وانحيازه إلى حلف بغداد ومشروع إيزنهاور، لأن في ذلك تخريب للميثاق الوطني والوحدة الوطنية.
وبالمناسبة يروي سمير صنبر أنه عندما نزل المارينز على شواطئ بيروت صيف 1958 في جهوزية عسكرية شاملة لكي يخمدوا ثورة 1958، فوجئوا بالسابحات الفاتنات على شواطئ السان جورج والأوزاعي والسبورتينغ. توقفوا على الرمال ولم يتقدموا بانتظار تعليمات البنتاغون من واشنطن. وصلت رسالة عاجلة إلى أدميرال الأسطول السادس من قائد الجيش اللبناني اللواء فؤاد شهاب يطلب أسرع لقاء ممكن "تجنباً لسفك الدماء" وحصل اللقاء على الواقف عند زاوية "الأيدن روك" آخر الرملة البيضاء.
حضر اللقاء ثلاث ضباط، قال الجنرال بكل هدوء وحزم ما معناه: "نحن، أنت وأنا عسكر، لعلنا نتفاهم، أنا قائد جيش لبنان المستقل، واجباتي حماية حدود الوطن وكرامته وسيادته، أقول لك وبكل مودة للدولة الصديقة الولايات المتحدة الأميركية، مع التقدير الواعي لقدرتها العسكرية، أنني سأكون وأركاني الضباط على استعداد للمواجهة الخاسرة بالطبع دفاعاً عن موقعنا".
فوجئ الأدميرال الأميركي، وأخذ يتطلع حوله مستغرباً ومستمعاً للجنرال الذي استمر يقول: "إذا كان المطلوب الأمن والنظام فنحن نتكفل بذلك، أما إذا كان الهدف الحقيقي مواجهة ثورة العراق، فإن كتاب الجغرافيا سيرشدكم إلى أماكن أقرب، وإذا كان الغرض القضاء على الخطر الشيوعي، فكما تلاحظ ليس هنا قوى شيوعية تحاول الاستيلاء على الحكم".
أخذ الأدميرال يحدق إلى وجه الجنرال الذي استمر ينفس بهدوء "إذا أردتم المساعدة فالأفضل أن ترسلوا مبعوثاً مدنياً يستكشف الوضع ويتفاهم مع السياسيين" ثم أضاف بابتسامة باهتة: "أكلة الجبنة "الفروماجيست" عندنا مستعدون دائماً للتفهم والتفاهم".
في لحظات، تحول التعجب إلى إعجاب، ورفع الأدميرال يده بالتحية العسكرية وهو يقول مودعاً: "جنرال، لقد تشرفت فعلاً بهذا اللقاء". ثم أمر جنوده بالانسحاب.
وروى الرئيس الراحل سليمان فرنجية في لقاء لي معه، أنه حينما جاءه الموفد الأميركي دين براون عام 1976، ليعلمه بأن البواخر الأميركية والغربية في عرض جاهزة لنقل المسيحيين من لبنان إلى أي مكان في العالم يختارون الهجرة إليه، صرخ به رافضاً المشروع الأميركي بالمطلق، وحين قام براون للانصراف هم أكثر من مرة أن يرفسه على قفاه، ولم يتابع وداعه كما بقضي البروتوكول.
ومن يتمثل بالرئيس المقاوم إميل لحود، الذي أغلق هاتفه بوجه مادلين أولبرايت، بعد التحرير 2000، مؤكداً أن لبنان يتمسك بكل حبة تراب من حدوده الوطنية.
ومن يتمثل به حينما كانت كونداليزا رايس تحادثه إبان حرب تموز، فرفض منطقها، وتركها في مكتبه، مغادراً إلى غرفة أخرى، بما يشبه الطرد.
وكثير من المواقف والأمثلة التي يلزمها صفحات لرجال كان لهم شجاعتهم ومواقفهم الوطنية.
لكل ورثة بقاء لبنان ضعيفاً مكسور الجناح، وأن ما يسمى المجتمع الدولي، يحمي لبنان، نقول أن حق لبنان بوجود مقاومة، هو قرار أممي تجسد في المادة الثالثة من اتفاقية الهدنة التي تقول:
"1- تطبيقاً للمبادئ الواردة أعلاه ولقرار مجلس الأمن الصادر في 16 تشرين الثاني 1948، أقرت بهذا الاتفاق هدنة عامة بين القوات المسلحة البرية والبحرية والجوية للفريقين.
2- لا يجوز لأية فئة من القوات البرية أو البحرية أو الجوية، العسكرية أو شبه العسكرية، التابعة لأي من الفريقين، بما في ذلك القوات غير النظامية، أن ترتكب أي عمل حربي أو عدائي ضد قوات الفريق الآخر العسكرية أو شبه العسكرية، أو ضد المدنيين في الأراضي التي يسيطر عليها الفريق الآخر، ولا يجوز لها لأي غرض أن تتخطى أو تعبر خط الهدنة المبين في المادة الخامسة من هذا الاتفاق، أو أن تدخل أو تعبر المجال الجوي التابع للفريق الآخر أو المياه الواقعة ضمن ثلاثة أميال من الخط الساحلي التابع للفريق الآخر.
فهل هناك من يقرأ؟
ثمة حقيقة أكد عليها المقاومون اللبنانيون، ونفذوها في أيار 2000، وفي تموز-أب 2006.. "هو ذا اليوم الذي أضأنا فيه القمر" على حد قول الكاتب الفرنسي لويس أراغون حينما كان المقاومون الفرنسيون يواجهون القوات النازية التي احتلت باريس في الحرب العالمية الثانية، وعملأها.
وظلوا يلاحقون ويقتلون العملاء لسنوات طويلة بعد نهاية الحرب.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل