أقلام الثبات
أثار تصريح وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال في لبنان عبد الله بو حبيب، في الأيام القليلة الفائتة، لأحدى الصحف عن ملف النزوح السوري إلى لبنان، موجة من الاستغراب في الداخل والخارج، فاعتبر وزير الخارجية في تصريحه "أن دمشق لا تريد عودة أبنائها النازحين الى ديارهم، كونهم يرفدون الاقتصاد السوري بالعملة الصعبة". المستغرب بالدرجة الأولى في تصريح بو حبيب أنه يناقض كل المواقف الرسمية اللبنانية من ملف النزوح، التي اتهمت بمجملها المجتمع الدولي بأنه يمنع تحقيق عودة النازحين السوريين من لبنان وسواه في الوقت الراهن، كون المجتمع الدولي يربط هذا الشأن بالحل السياسي للأزمة السورية". وجاء في طليعة هذه المواقف، موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي حمّل في مواقف متكررة المجتمع الدولي المسؤولية في عرقلة عودة النازحين. وبهذا التصريح المذكور أعلاه، برّأ بو حبيب المجتمع الدولي من تحمّل هذه المسؤولية. والمستغرب بالدرجة الثانية، هل بإمكان النازح المقيم في خيمة أن يرسل عملة صعبة من لبنان المهترئ ماليًا واقتصاديا إلى سورية، كي ينتعش اقتصادها؟ والمستغرب بالدرجة الثالثة، كلام وزير الخارجية عن انتظاره لزيارة من وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، فلاريب أن هذا الكلام يحمل في خلفياته، موقفًا واضحًا أن بو حبيب لا يرغب في زيارة سورية، رغم حاجة لبنان الملحة الى التوصل الى حلٍ لعودة النازحين، في هذه الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة، التي يمر فيها. ومعلوم أن أزمة النزوح السوري إلى لبنان منذ العام 2011، أسهمت بقوةٍ بتفاقم هذه الظروف، بفعل الكثافة السكانية، جراء النزوح، الذي زاد على عدد سكان لبنان، نحو ثلث هذا العدد، وهكذا أصبح النازحون شركاء للشعب اللبناني في بلدهم، واستفادوا من الدعم الذي تقدمه الحكومة اللبنانية للسلع الاستهلاكية الأساسية، بالإضافة الى مصاريف الكهرباء، واستهلاك البنى التحتية. في المقابل لم تصل المساعدات التي تقدمها الجهات الدولية للنازحين في لبنان، إلى ربع قيمة الخسائر التي تكبدتها الخزينة اللبنانية، جراء أزمة النزوح، بحسب تأكيد مصادر عليمة في وزارة الشؤون الاجتماعية.
أضف إلى ذلك، فإن السلطات السورية، من جهةٍ ثانيةٍ، لم تمنع أو تعرقل عودة أي مواطن سوري الى بلاده، ولم تعتقل أحدًا من النازحين، الذين أعادهم الأمن العام اللبناني إلى سورية قبل تفشي جائحة كورونا، بضمانته، وبمراقبة ومتابعة من الأمم المتحدة أيضًا، وبشهادة الأمن العام، بعدم تعرض السلطات السورية لأي عائدٍ. وهذا الأمر أكده السفير السوري في بيروت علي عبد الكريم علي في حديثٍ صحافيٍ، رد فيه على كلام وزير الخارجية اللبنانية، مؤكدًا "أن سورية جادة ومنفتحة ومرحبة ومسؤولة، وهي الرئة الكاملة للبنان ومن مصلحتها أيضا التكامل معه".
وفي الصدد، ترددت معلومات أن تصريح بو حبيب المذكور آنفًا، أثار حفيظة الرئيس عون، الذي استدعى وزيري الخارجية والشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، وطلب الرئيس من بو حبيب توضيح موقفه وخلفيات هذا الموقف، بحسب المعلومات. وإثر لقاء رئيس الجمهورية بالوزيرين، أكد حجار أن التواصل بين بيروت ودمشق، لم ينقطع يومًا.
وسط هذا المعمعة، ترددت معلومات، مفادها: أن بعض الجهات الحكومية والشخصيات السياسية باشرت الإعداد لمؤتمر مخصص "لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم"، يشارك فيه شخصيات وزارية ونيابية وحزبية وأكاديمية، قد يعقد في أحد المقار الرسمية في أيلول المقبل، برعاية مرجع كبير في الدولة اللبنانية. وسيسبق هذا المؤتمر "ورشة عمل حزبية"، تركز على جمع المعلومات، وإعداد الدراسات التي تسهم في إنجاح هذا المؤتمر، والخروج منه بنتائجٍ تضع ملف عودة النازحين على سكة الحل المرتجى.