أقلام الثبات
بدون مقدّمات، قلبت "اسرائيل" الطاولة وذهبت باتجاه شنّ عدوان على غزّة بشكل مفاجئ في وقت كانت ولا تزال الأنظار مشدودة نحو الحدود البحريّة بين لبنان و"اسرائيل"، وترقُّب امكانيّة الإنزلاق الى تصعيد عسكري بين الجانبّين في ايّ لحظة مع بدء العدّ العكسي لانتهاء سقف المهلة التي حدّدها الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في أيلول المقبل.. وإذ بإسرائيل تُفجّر "الصّاعق" في غزة، وتشنّ عمليّة عسكريّة عليها كان البارز فيها قرار "الإستفراد" بحركة الجهاد الإسلامي ، وتحييد الفصائل المقاوِمة الأخرى-خصوصا حركة حماس.. فالمطوب "إنتزاع" نصر تُسيّله "اسرائيل" في الإنتخابات القادمة، ولربما جاء دقيقا توصيف عضو الكنيست عن القائمة المشتركة عوفر كسيف للعدوان الأخير بقوله" هي صفقة الدّم مقابل الأصوات".
ووسط علامات الإستفهام الكثيرة التي طُرحت حيال انكفاء "حماس" عن المعركة ليتمّ "الإستفراد" بقادة ومقاتلي "الجهاد"، وفيما كان التعويل على عدم الاستجابة لهدنة سريعة تريدها "اسرائيل" "للحفاظ على المكتسبات" لأنّ إطالة أمد المعركة ليس لصالحها اطلاقا- وهو ما بيّنته "هيئة البثّ الإسرائيلية"-نقلا عمّن صنّفته ب "مصدر امني كبير"- أكّد "انّ مصر وقطر أنهيتا عمليّة غزة كما تريد "اسرائيل" وفي التوقيت الذي ارتأته".. برزت "النّشوة" واضحة على وجوه قادة ومسؤولي الكيان، أمرٌ بدا كافيا لتُوسّع تل ابيب دائرة ضرباتها من غزّة الى الضفّة!
فلم يمضِ يومان على إنهاء عمليّة غزّة بحصيلة تجاوزت عتبة ال 45 شهيدا بينهم ثلّة من قادة حركة الجهاد، حتى نقلت سيف الإغتيالات الى الضفّة، وتوّجتها اليوم الثلاثاء باغتيال قائد كتائب شهداء الأقصى -الجناع العسكري لحركة فتح في نابلس ورفيقَيه،اضافة الى عشرات المصابين، مسبوقة باغتيال مسؤول الإرتباط في الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان امس الإثنين.
سدّدت "اسرائيل" ضرباتها في "المرمى" الفلسطيني الا انّ عينها كانت شاخصة نحو لبنان..وأرادت من خلال عمليّتها في غزّة، توجيه رسائل صوب حزب الله، وهو ما لم يُغفله مسؤولون ووسائل اعلام عبرية-خصوصا موقع "واللا"، الذي اكّد امس" انّ تل ابيب أرادت من خلف الجولة الأخيرة للحرب على غزّة، توجيه رسالة الى انها ستردّ بقوةّ كبيرة على ايّ صراع محتمل"، قبل ان يؤكد موقع صحيفة "اسرائيل هيوم" بدوره، "انّ الحرب التي شنّها الجيش "الإسرائيلي" على حركة الجهاد الإسلامي هدفها ايصال رسالة الى جميع اللاعبين في المنطقة، وضمنا حزب الله، بأنّ "إسرائيل" لن تتوانى عن تنفيذ اي خطوة مماثلة في المنطقة بأسرها"!
سريعا جاء الردّ على لسان الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله ظهر الثلاثاء في خطاب العاشر من محرّم، برسائل ناريّة دعا فيها "اسرائيل" للتنبّه "لمن يقف في الجهة المقابلة".. "لا تخطئوا مع لبنان، فحسابنا معكم حسابٌ آخر".. وليجدّد مرّة اخرى توعُّده لإسرائيل، بقطع يدها" اذا امتدّت الى ايّ ثروة من ثرواتنا"، مشدّدا على "الذهاب الى آخر الطريق"..وليتوّج رسائله متوجّها الى "المجاهدين وجمهور المقاومة" بالبقاءعلى جاهزيّة لكلّ الإحتمالات.. في دلالة واضحة الى عدم استبعاده خيار الحرب..
وهنا يبدو السؤال مشروعا بمتفرّعاته" هل يجوز اعتبار احد اهداف"اسرائيل" خلف العدوان على غزّة "بروفا" لمواجهة مرتقبة مع حزب الله؟ رغم الأجواء التي رافقت جولة الرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة منتصف الشهر الماضي والتي بدت بعيدة عن الحرب وطغى عليها نيّة عدم الإنجرار الى ايّ تصعيد في المنطقة يُعيق إنجاز الملفّ الهام الذي يؤرق الإدارة الأميركية ودُوَل الغرب حاليا، والمتمثّل بمحاولات تأمين الغاز البديل عن الغاز الروسي الذي أفرزته الحرب الأوكرانية.
وهل من مصلحة "اسرائيل" الإنجرار الى مواجهة عسكرية مع "عدوّ" شرس هي تدرك قدراته التسليحيّة جيدا..في المقابل، بدا لافتا، انطلاق تدريبات جديدة يُجريها لواء المظليين في الجيش "الإسرائيلي" للمرّة الثانية في غضون شهرين في قبرص، تُحاكي "قتالا مع حزب الله"-وفق ما أوردت وسائل إعلام عبرية قُبيل شنّ العدوان على غزّة.
مرّة اخرى، تُحدّد القوات "الإسرائيلية" مناطق قبرصيّة لإجراء تدريباتها العسكرية تتشابه بتضاريسها مناطق في جنوب لبنان "محاكاة لحرب مع حزب الله"..وسيكون احد سيناريوتها "تنفيذ محاولات انزال في عمق الأراضي اللبنانية عبر البحر"-كما سبق وذكرت صحيفة "اسرائيل هيوم" العبرية تزامنا مع انطلاق التدريبات "الإسرائيلية" الأولى في قبرص منذ حوالي الشهرَين، حيث اوضحت حينها "انّ الجيش "الإسرائيلي" إستأجر سفنا وقوارب إنزال من اليونان وايطاليا لاستخدامها في المناورة"..ما يستدعي التنبّه لعدم استبعاد ان تكون قبرص منصّة لشنّ هجمات "اسرائيلية" على لبنان في حال ذهبت الأمور نحو حرب مع حزب الله..
وفي السياق، برزت إشارات لافتة في "اسرائيل" في الأيام الماضية تستدعي التوقف عندها، ابرزها تقصّد تمرير خبر انّ "اسرائيل" قرّرت تأجيل استخراج الغاز من كاريش، وتزامنه مع تصريح وزيرة الطاقة "الإسرائيلية" التي قالت فيه"إنّ حزب الله هو الذي حدّد شهر ايلول كموعد لاستخراج الغاز وليس تل ابيب"، في مقابل شيوع تقارير اكّدت "انّ موعد استخراج الغاز من كاريش سيكون في ايلول"!.. فما المقصود من وراء تسريب هذه التقارير المتناقضة؟ هل هناك نيّة "اسرائيلية" مع الأميركي للعودة الى المماطلة في هذا الملفّ الحسّاس، سيّما على وقع التلويح "الإسرائيلي" بربط المفاوضات البحرية مع لبنان بالإنتخابات البرلمانية "الإسرائيلية".. اي في شهر تشرين الثاني المقبل!
فكيف سيكون ردّ حزب الله حينها؟ بعدما حدّد امينه العام سقفا زمنيّا بات ضيّقا هو شهر ايلول.. وحذّر من تجاوزه.. واستتباعا..هل اصبحنا فعلا على مشارف مواجهة بين" اسرائيل" والحزب قد تفاجئ الجميع-تماما كما حصل في العدوان الأخير على غزّة؟.. وهل ستُبعثر تل ابيب الأوراق من خلال ملف الحدود البحريّة المتفجّر مع لبنان؟ فأيّ خطوة "ناقصة" تُقدم عليها "اسرائيل"، قد تضع المنطقة بأسرها على فوّهة بركان، ربطا بعدم استبعاد انخراط أركان محور المقاومة في المواجهة بين اسرائيل وحزب الله-وهو ما سبق ان اكّد عليه السيّد نصرالله.. وبانتطار الرّد الذي سيحمله الموفد الأميركي اموس هوكستين الى لبنان في غضون الأيام القادمة، سيُبنى على هذا الرّد المقتضى.. حربا او تسوية!
ونقلا عن يؤاف ليمور-ألمحلّل العسكري "الإسرائيلي" المعروف بعلاقاته الوطيدة مع كبار المسؤولين بالمؤسسة الأمنية في تل ابيب، فإنّ العمليّة العسكرية ضدّ غزّة" التي وجهتها "اسرائيل" ضدّ حركة الجهاد الإسلامي حصرا، واغتالت من خلالها مجموعة من كبار قادتها.. لن تبقى من دون ردّ"..وحذّر من عمليّات فدائية مرتقبة في قلب المدن الإسرائيلية قد تتجاوز بخطورتها عمليّات "ذاك الشهر الأسود في الأمس القريب"!
ثمّة تسريبات نُقلت عن شخصيّة دبلوماسيّة فرنسيّة زارت بيروت مؤخرا وتحدّثت عن قبول اميركي بتسوية مع لبنان، يحصل من خلالها على الحقّ بالتنقيب عن الغاز..الا انه استنادا الى معلومات صحافيّة فرنسيّة، فإنّ السفارة الفرنسية في بيروت تلقّفت إشارات عن ردّ "مرعب" قادم لحزب الله على "إسرائيل"، فيما لو تجاوزت الأخيرة سقف المهلة التي حددها نصرُالله من دون اي اتفاق في الملف البحري..
وإذ اكّدت على "جدّية" تحذير "نصرالله" العالية بالرّد على اي محاولة اغتيال "اسرائيلية" لأي من قادة الفصائل الفلسطينية في لبنان، وترجيحها تلقُّف قيادة حزب الله لعمليات اغتيال جهزتها تل ابيب قد تطال قادة فلسطينيين بارزين..لم تستبعد المعلومات ان يُتوّج "حدث امني هام" يتجاوز الحدود اللبنانية امّ المفاجآت المرتقبة!