أقلام الثبات
قبائل الفايكنج، عُرفت في أوروبا الشمالية (الدول الإسكندنافية حالياً) خلال الحقبة ما بين أواخر القرن الثامن ومنتصف القرن الحادي عشر، وكان قادة هذه القبائل يستخدمون الأصداف البحرية ( المحار) لمُخاطبة بعضهم عبر النفخ في المحار وإصدار أصوات مُتعارف عليها، وكون تلك البلاد جبلية، فقد كانت تختلط الأصوات العابرة للوديان، ولا أحد يفهم رسالة الآخر، وإذا شئنا ترجمة لغة الفايكنج الى اللهجة العامية اللبنانية، فهي تعني "الجعجعة بلا طحين"، ولأن حجر الرُحى في معراب لا يتوقَّف عن حركة الدوران، فإن عدم وجود حنطة تحته تُذكرنا بضجيج حوارات الفايكنج.
نفهم أن رفض الغالبية الساحقة من الشارع المسيحي لتاريخ سمير جعجع وسيرته الذاتية، يدفع به للبحث عن علاقات آنية وتحالفات هشَّة في الشوارع الإسلامية، منذ المصالحة الأكذوبة مع وليد جنبلاط في الجبل، وصولاً الى "لبنان أولاً" مع بيت الحريري، وانتهاءً بمحاولة قطف غياب سعد الحريري عن الساحة السياسية في محاولاتٍ عبر عدة قنوات لإجتذاب أهل السُنَّة ولو على مستوى الصف الثالث من أمثال أحمد الأسير وأشرف ريفي، أو الصف الثاني كما هو الحال في العلاقة مع فؤاد السنيورة، علماً بأن سُنَّة الصف الأول لا يجرأون على مُقاربته لأنه يبقى بنظرهم قاتل رئيس حكومة سُنِّي.
نحن لا نُهاجم أحداً في الشخصي، لا بل نحن نقرأ سياسة، ومن حقنا التساؤل: أي "ألزهايمر" هذا الذي يضرب "الحكيم" ليجعله يُصدِّق نفسه ويوجِّه خطابه الى الشارع الشيعي، وأن هناك مَن في الشارع الشيعي على استعداد لسماعه، أو قبوله كشريك وطني موثوق؟
مَن مِن الشارع الشيعي المُدمِن إطلالة السيد حسن نصرالله وفكر المقاومة العظيمة، لديه الإستعداد لرؤية جعجع لحظة واحدة على الشاشة أوالإستماع الى كلمة واحدة منه؟!
وإننا لو حاولنا "زرك" إسم سمير جعجع على لائحة المرشحين الطبيعيين، فضمن أية فئة يُصنِّف جعجع نفسه ضمن الفئات الثلاث أدناه؟:
هناك فئة سياسية تسعى لإستحضار روحية وسلمية وعلم الياس سركيس، وتطرح على سبيل المثال : زياد بارود وصلاح حنين وسواهما.
الفئة الثانية تسعى الى استجلاب معلِّم الياس سركيس اللواء فؤاد شهاب عبر شخصية مؤسساتية عسكرية.
والفئة الثالثة تسعى لشخصية سياسية بحجم سليمان فرنجية، ويبدو أن الغلبة لهذه الفئة لغاية تاريخه، فأين يُموضِع السيد سمير جعجع نفسه وهو مرفوض من كل الفئات؟
ليست المسألة مرتبطة باستحقاق انتخاب الرئيس ضمن المُهلة الدستورية أو بعدها، بل بالجو العام لأية إنتخابات رئاسية بعد شهرين، أو سنتين أو عقدين من الزمان، وبالمعايير والثوابت الوطنية التي تمّ التأسيس لها بانتخاب الرئيس إميل لحود، والتمديد لكل رئيس يُشبه إميل لحود، ويكفي لبنان صدمات من رؤساء ضعفاء، خاصة أن مواصفات الرئيس ميشال عون حددت حدود الأحلام بكرسي بعبدا من بعده، وخلاف ذلك، لن يصِل مَن يوهِم نفسه أنه "طبيعي" الى مستديرة الصياد...