أقلام الثبات
بداية لا أحد من حقِّه اعتبار تلك المصالحة التي أرساها البطريرك الراحل نصرالله صفير بين طرفي مجازر الجبل وليد جنبلاط وسمير جعجع، أنها وثيقة مسيحية – درزية، فلا المسيحيين استشارهم سمير جعجع للذهاب الى الشوف، ولا الدروز كانوا وما زلوا أسياد قرارهم بمعزلٍ عن تسلُّط وليد جنبلاط، ونحن لسنا بصدد تقييم مصالحة تبويس اللحى والضحك على الذقون، طالما أن البعض من المسيحيين يعتبر أن ما فعله صفير يُضاهي إنجازات البطريرك الحويك، وأن سمير جعجع يرشح زيتاً أينما حلَّ وهجَّر، فيما البعض من الدروز لا يستطيعون الخروج عن طاعة البيك.
لكن لا أحد أيضاً، من حقِّه اتهامنا برفع سقفنا الهجومي وبتكبير الكلام، عندما نعيش الشيء ونقيضه على الساحة السياسية، فيما لبنان يخوض معركة وجودية سوف تُحسم خلال أيام وكأقصى حدّ نهاية آب وبداية أيلول.
نعم الشيء ونقيضه، بين الدور الوطني العظيم الذي تضطلع به المقاومة في مواكبة المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي، ضماناً للحقوق بالخيرات البحرية، واستقبال المبعوث الأميركي هوكشتين، بالإحداثيات التي نشرها الإعلام الحربي حول كل ما يحصل في محيط كاريش، والجهوزية العالية للمقاومة لإحراق كاريش ما لم يحصل تزامن في إستخراج الغاز مع هذا العدو، ليأتينا النقيض في نفس نشرة الأخبار، بأن تردّ ستريدا جعجع على وليد جنبلاط على خلفية رأيه بموضوع المطران من جهة وموقفه من الإستحقاق الرئاسي من جهة أخرى، وتُذكِّره بمضمون وثيقة المصالحة في الجبل، ونترك لأبناء هذا الجبل الردَّ على الردّ وما إذا كان هذا الجبل بات ملكاً لإبنة بشري وحكيمها بالشراكة مع وليد جنبلاط، ووحدهم الذين عادوا الى الجبل بإمكانهم إفهام ستريدا بأي ثمن عادوا، ومَن لم يعودوا بعد أي ثمن مطلوب منهم كي تحصل هذه العودة ؟!
على كل حال، وكي لا نسترسل في "تكبير الكلام" مع مَن الكلام عنهم ليس مجدياً، سيما ونحن على قاب قوسين من "نصر كاريش" سلماً أو حرباً لصالح الوطن اللبناني، نكتفي بثلاث رسائل مقتضبه، الى معراب والمختارة ونُعرِّج على بكركي، لأن هذه المعاقل الثلاثة هي المعنية وحدها بزواج النفاق الذي أعلنت ستريدا جعجع نهايته بالطلاق.
الى معراب نقول: قد تكون الحسنة الوحيدة في سجلّ وليد جنبلاط أن "الرادار" قرأ جيدأ توجهات اللبنانيين، الرافضة لذكر سمير جعجع الذي يعتبر نفسه المرشَّح الطبيعي لرئاسة الجمهورية في عداد المرشحين، وستريدا اللبنانية الأولى، أو العكس، وصول ستريدا الى هذا المقام لتصطحب معها حكيمها بصفته اللبناني الأول، لأن الواقع أن الدخان الأبيض لن يتصاعد لهما من بعبدا مهما بخَّرت معراب للسفير البخاري.
الى المختارة نقول: مشكلة البيك أنه بلغ مرحلة اختلال التوازن في بيضة القبان، وحتى ولو كانت هذه الإنتخابات الرئاسية هي الأخيرة في "عهده" - والأعمار بيد الله - فإن تيمور غير جاهز لوراثة إرثه الثقيل، وليته يُخفف من تقدير وزنه في رمي "اللاءات" على وصول سليمان فرنجية أو جوزف عون الى بعبدا، والمُطالبة بمَن يشبه الياس سركيس كالوزير السابق زياد بارود أو النائب السابق صلاح حنين، لأن الرئيس سركيس مات قهراً من ميليشيات وصلت الى السلطة، وكان جنبلاط أول الواصلين إليها وسيكون على ما يبدو آخر المغادرين.
وننتهي في تعريجة على بكركي، ونُطيِّب خاطر البطريرك الراعي في موضوع المطران وأمواله المنقولة، خاصة أن غبطته اعتبر أن قضية هذا المطران تؤثر سلباً على سلطته الرعوية على أبرشية فلسطين، وكأن سلطاته في أنطاكيا وسائر المشرق على خير ما يرام في الأديرة المهجورة والكنائس المتداعية والقرى والبلدات الخاوية إلا من الحجر، ونطلب من غبطته أيضاً التخفيف من وضع مواصفات لساكن بعبدا المقبل، لأن الرأي لم يكن يوماً لبكركي، كما نطالبه، هو الحامل شعار الحياد، أن يحيد من درب القضاء للقيام بواجبه، والحرص على أموال الناس التي ينقلها المطران واعتبارها كالودائع المقدَّسة، كان يفرض حرصاً أكبر على أموال المودعين التي تورَّط بها حبيب بكركي رياض سلامة، لأنها أقدس وأطهر من كل أموال الأوقاف والسلام...