علاقة بكركي بمعراب، لا محلَّ لها من الإعراب ـ أمين أبوراشد

الثلاثاء 26 تموز , 2022 02:01 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

قبل الدخول في قضية المطران موسى الحاج، من واجبنا تذكير اللبنانيين، أن نفس الإشكال الطائفي قد حصل، عند التحقيق مع المواطنة هنيَّة بدوي التي كانت قادمة من الأراضي المحتلة في مطلع شهر آذار الماضي، وكانت هناك ردَّة فعلٍ من شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نصر الدين الغريب، التي هاجم فيها القاضي فادي عقيقي، لما اعتبره تطاولاً على المقامات، وكانت النتيجة إندفاع حشود من المواطنين لتحرير "الشيخة" من براثن الدولة، وكما اعتبر يومذاك الشيخ الغريب أن هذا الأمر مساس بالطائفة، كذلك اعتبر البطريرك الراعي أن فعلة القاضي عقيقي نفسه مع المطران الحاج إستهداف شخصي له، وكأن قاعدة 6 و 6 مكرر سارية في لبنان حتى على الأمن القومي اللبناني وعلى حساب قوانين مقاطعة العدو الإسرائيلي!

منطق الدولة - لو أردنا بناء دولة - يرفض المواقف الطائفية التي تستفز الناس وتُحيل مؤسسات الدولة والقضاء الى أهدافٍ سائبة، ولا شأن لنا بما قاله الغريب أو الراعي، لأن المؤسسات الدينية التي تنتفض دفاعاً عن ما تعتبره انتقاصاً من كرامتها، تُدرك جيداً أنه لم تعُد هناك ذرَّة كرامة معيشية للشعب اللبناني من مختلف الطوائف، ومنطق الدولة ذات الكرامة، يُملي عليها الإحتكام الى القانون والى القرارات الحكومية في مسألة العلاقة مع العدو، خصوصاً ونحن في أقسى ظروف المفاوضات غير المباشرة معه بموضوع ترسيم الحدود وتحديداً قبل حلول أيلول المقبل.

وما ورد على لسان مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم في هذا الموضوع، هو الذي يمثِّل منطق الدولة، ومنطق كل لبناني مؤمن بدولة، بعيداً عن هذا الكمّ من الحقد المجاني الذي تُثيره المرجعيات الدينية في عقول صغار العقول الذين يحللون لأنفسهم مهاجمة مخفر لتحرير مواطنة قيد التحقيق الروتيني أو انتصاراً لمطران حمولته عشرين حقيبة سفر استغرق تفتيشها ثماني ساعات.

قال اللواء ابراهيم: "إذا مرّ والدي على الحاجز أو المعبر وكانت هناك إشارة تقتضي تفتيشه فسنقوم بواجبنا كاملاً... وكل ما صادرناه بات بعهدة القضاء".

أيُّ أداءٍ أرقى وأنبل في التعامل مع القادمين من كيان العدو، من الذي تقوم به الأجهزة الأمنية اللبنانية على اختلافها، وأي أداءٍ من بعض رجال الدين في لبنان في ردودِ فعلٍ غير محسوبة سوى في حساباتهم الضيقة، وأية نتيجةٍ سوف يجنُون من جنون أولئك الذين هاجموا المخفر لتحرير "الشيخة" أو الذين ذهبوا الى بكركي والديمان للتضامن ضدّ إجراءات الدولة، أم أنهم دُعاة حياد في السياسة الخارجية ويدعمون حشر الأنف بعمل المؤسسات الداخلية؟!!

وإذا كانت بعض الشرائح الدينية في لبنان تنطلق من مبدأ "يا غيرة الدين" في تحليل المعاصي لنفسها، فإن الإنقسام السياسي في البيئة المسيحية لا يُعطي البطريرك الراعي الدعم الذي يرتجيه، والفئة التي تدَّعي الحرص على أمن المجتمع المسيحي لا نرغب الآن تذكيرها بمَن اغتال المونسينيور خريش ولا بمُرتكب مجازر الكنائس، لكننا نقول وبكل ثقة، ونحن على عتبة الإنتخابات الرئاسية، أن مفتاح بعبدا لا هو في بكركي ولا في الديمان، والخطاب التحريضي الطائفي ليس من شِيَم المسيحيين، ولن يكون يوماً مسوَّدة خطاب رئاسي، وعلى بكركي العودة الى ردّات فعل باقي الطوائف اللبنانية على مواقفها منذ إعلان "الحياد" ووصولاً الى حشر الأنف بمسألة قضائية ترتبط بالأمن القومي اللبناني، كما عليها أن تُدرك، أن هيبتها باتت على المحكّ عندما يُميِّز الراعي بين رعاياه، كائناً مَن كان "الراعي" لأن الخطيئة المُميتة تُرتكَب منذ زمن البطريرك صفير.

من الوزن المحدود الذي شاءت بكركي ضموره على المستويين المسيحي والوطني، الى الوزن "المُتقزِّم" لقوات سمير جعجع أيضاً على المستويين، خصوصاً بعد رفض القوى الإسلامية الكبرى التحالف الإنتخابي معها في أكثر من دائرة، مما يدعونا الى التساؤل، عن النتيجة التي تتوخاها كلٌّ من بكركي ومعراب من إفراز السموم الفئوية في كل مناسبة وسط حشودٍ هزيلة، سوى أن هذه العلاقة "الحيادية الإنعزالية" عن هموم المسيحيين وهواجس اللبنانيين لن توصِلهم إلّا الى مزيدٍ من التحييد والعزل، والإستحقاقات السياسية قادمة وأولها الإنتخابات الرئاسية التي ستُثبت أن هذه العلاقة مسيحياً ووطنياً لا محلَّ لها من الإعراب، والآتي قريب...    

 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل