لبنان.. المصير بين خطابين‎‎ ـ يونس عودة

الثلاثاء 26 تموز , 2022 09:46 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

ليست حملة تزوير الحقائق فيما يتعلق بحيثيات نقل المطران موسى الحاج أموالاً من عملاء داخل الكيان الصهيوني، وربما من أجهزة "إسرائيلية" الى اشخاص في لبنان، وهذه الأخيرة، تحتاج الى تدقيق وبصيرة أمنية - لا تنقص الأجهزة اللبنانية -، وإن كان هناك واقع سيء جرى العمل عليه لسنوات طويلة، وأنتج ثقافة مشوهة على المستوى الوطني، تقوم على أن الخضوع "للإسرائيلي" أمر طبيعي، مادام الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هو السند، بغض النظر عن المصلحة الوطنية، ومن المؤسف، لا بل المحزن ان يصل الامر الى التهديد بحرب أهلية جهارا نهارا، على خلفية مسألة فيها ما فيها من معطيات تمس الأمن الوطني، في أيام حرجة، يفترض ان يتكوكب اللبنانيون حولها، الا وهي فرض استعادة الثروة اللبنانية المهددة من العدو بمساعدة وغطاء أميركي، واعتبار الثروة اللبنانية الموجودة في البحر المتوسط، خطاً احمر لا يمكن التفريط بها، ولو بالنذر اليسير منها، لانها بحسب كل الخبراء، باتت وحدها القادرة على انتشال لبنان من أزمته الاقتصادية والمالية التي تزداد عمقا، بفعل أميركي، من الفها الى يائها.

ما يجري من حملة منظمة، وعراضات عنترية، وكأن البلاد في حفلة زجل رديئة، يتفق الزجالون على موضوعها، والكلمات، بينما الحضور الثمل، المنتفخ الاوردة، يشعر انه شريك في التحدي، انما تستهدف وعيه، ولذلك من العقل بمكان ان تطرح بعض الأسئلة، قبل الانخراط في الحفلة الخطيرة، ودفع الجمهور الى الاقتتال في قاعة الاحتفال. وعلى قاعدة من يعمل في الشأن العام عليه ان يستمع الى الرأي الآخر.

فهل تبين نيافة الكاردينال الراعي، الحقيقة الزاهية التي حمل السيد المسيح (عليه السلام) صليبها، ومشى في درب الالام والحق على طريق الجلجلة؟!
فهل نزل صاحب الغبطة عند رغبة حملة السكاكين، الذين لم يتركوا مفردة تدعو الى الانقسام والخراب الا واستخدموها، فقط لأنهم ينتمون بالولادة الى كنيسته؟

اليس بعيدا عن الحق، والحقيقة، القاء الطابع الإنساني على قضية من هذا النوع، الا إذا كانت الحاجة السياسية تقتضي المزج الخطير، في التوقيت الأخطر، والنشاط المنحاز في تسييسها، بينما يتعرض المسيحيون في فلسطين من بيت لحم الى القدس بما فيها اغتيال الإعلامية الفلسطينية شيرين ابو عاقلة، كما يتعرض المسلمون في الأراضي المقدسة الى كل صنوف القتل والاعتقال والتنكيل، ومصادرة الأملاك المسيحية والإسلامية على ايدي الاحتلال، حيث مصدر الأموال المرسلة مع المطران الحاج؟

هل هذا هو الحياد النشط، وهل يستقيم الحياد مع كيان مصطنع، يهدد الوجود المسيحي، وهو ما حدث في القدس، وهو العدو الذي لا يوفر فرصة الا ويهدد وطننا لبنان بكل اجنحته، ويسرق جزءا من أرضه، ويعمل في هذه الأيام على سرقة ثروته البحرية من تحت الى فوق، وهي الثروة التي يمكن ان تعيد للبنان اقتصاده، وحيوية مجتمعه في الإنتاج بدل الاعتماد على مساعدات مشروطة تنال من السيادة، وكيفية بناء الدولة، وتحديد علاقات الدولة؟

وإذا أردنا تبسيط المسألة الى حدودها القصوى، يمكن طرح سؤال بديهي: الا يعاقب القانون اللبناني على ادخال أي سلعة من الأرض المحتلة ومن كيان لا يزال في حالة حرب معه، ويهدد كل يوم بتدمير ما تبقى منه، بغض النظر عن حامل تلك السلعة، فكيف إذا كان راع لأبرشيات تحت الاحتلال؟

اما في الأموال، فان القانون اللبناني واضح تمام الوضوح، هناك مخالفة ساطعة لقانون نقل الأموال، ويمكن الاستنارة بتلك المواد لمن يرغب، مع التذكير بان المصارف اللبنانية، لا يمكنها قبول وديعة لأي مواطن، الا إذا عرف مصدرها وكيفية الحصول عليها، وخلاف ذلك مخالف للقوانين، وهذا قبل الازمة المالية والاقتصادية التي تسببت بها السياسة الأميركية ضد لبنان من أجل تجويع شعبه واخضاعه تماما، مع حماية المفسدين والفاسدين، محظيي الخط الأحمر الأميركي.

كان يمكن ببساطة الاتصال بالقاضي الذي استند الى القانون، وهو ابن الرعية، والاستفسار منه عن الاجراء، وإذا كان هناك ضغوط مثلما يجري الترويج على آلسنة الساقطين وطنيا ويبحثون عن نقاط للشقاق الوطني، وليس إطلاق الموانع، وتصنيع الممنوع والمسموح خلافا للقوانين.

” الا يسترعي اعلان وزير الحرب الاسرائيلي تخصيص 60 مليون دولار ل 400 عنصر من العملاء , اي بمعدل 150 الف دولار للعميل الواحد , الانتباه , الى الاهداف الكامنة وراء ذلك , وبالطبع لكل من اولئك العملاء , صلات في لبنان , وربما العمل على اغراء المعارف ,في اطار اعادة تكوين ميلشيا من القتلة في ظل الصراع القائم, ما يذكر بدور يهوذا الاسخريوطي, الذي خان السيد المسيح وهو من تلامذته الاثني عشر, وسلمه ليلة العشاء السري.  

وقد قال السيد المسيح  هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم أن واحدا منكم سيسلمني، وبعدها أصبح اسم الاسخريوطي  رمزا للخيانة على مدى التاريخ. وقد قيل أن دافعه هو الجشع ، لكن بعض الباحثين يتكهنون بالرغبات السياسية المتراكمة تحت خيانته., ,

السؤال الاهم وهو ما ذكره البطريرك , عندما قال ابحثوا عن العملاء في مكان اخر , لتشكيل غطاء على الفارين الى اسرائيل بعدما قاموا بفعل العمالة والتجند لصالح لجيش الاحتلال , ومن بينهم قتلة , ولم يطردهم احد , هم اختاروا البقاء تحت ظلال الاحتلال , والجميع يعرف ان من بقي من العملاء ,وهم كثر ومن كل المذاهب , ولم ينزل بهم القضاء احكاما تساوي الجرم , والكثير منهم , نالوا عفوا , ولم يتم توقيفهم , والافضل هنا البحث عن الاسخريوطي .

بناء عليه، بات لزاما، ما دام القول انها ليست المرة الأولى التي ينقل فيه مال "إسرائيلي" الى لبنان ويتسلمه افراد، وربما جماعات، وما دامت الأموال موضوعة في مظاريف محددة الأسماء والعناوين، ان تتوسع التحقيقات أمنيا، مع الأشخاص الذين يتلقون "المساعدات الإنسانية"، فالأرجح، ان من بين الأهداف إعادة تنشيط العناصر العميلة في لحظة يحددها العدو لإرباك البلاد، مواكبة للحملة الإعلامية – السياسية التضليلية القائمة على *تزوير الحقائق.

كما بات لزاما على السلطات ان تضع القوانين موضع التنفيذ، خصوصا ان الأمور تشي بمخاطر جمة، سيما اننا مقبلون على محطة مفصلية في تاريخ لبنان، عنوانها من يريد استخراج الثروات لانتشال البلد من القعر الاقتصادي، وبين من يريد التفريط بالحقوق والالتحاق بمشروع "الاسرلة" العربية، برعاية أميركية، وهذا حلم ابليس بالجنة، حتى لو كان ما سيأتي، إعصار، يطيح بالكابوس الإسرائيلي، وان تضييع البوصلة حيث القضية الاساس يدفع ثمنها أكثر من غيره، من يرضي لنفسه الهوان مهما بلغ خطابه في التعالي والاستقواء والاستنجاد.
=====================
*التزوير، بحسب المادة ٤٥٣ من قانون العقوبات اللبناني (قانون العقوبات)، هو تحريف متعمد للحقيقة، في الواقع او البيانات التي يثبتها صك او مخطوط يشكل مستندا، بدافع احداث ضرر مادي او معنوي او اجتماعي. من هذا التعريف، يجب إستخلاص كل من الركن المادي والمعنوي للتزوير. إن الركن المادي هو تحريف الحقيقة في واقع أو بيانات يثبتها صك أو مخطوط


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل