نهاية الغش الأميركي.. اوروبا من الاستقالة الى التفكك ـ يونس عودة

الثلاثاء 19 تموز , 2022 08:34 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

بغض النظر عما انتجت جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة العربية قياسا الى الأهداف التي املت تحقيقها الإدارة الأميركية، غازا ونفطا، ودمج الكيان الصهيوني كجسم غريب، يستحيل تقبله من الجسم الطبيعي، رغم تجميع عربان المجلس الخليجي، والاضافات الأخرى من "زعماء" عرب، فان الجولة أظهرت وبلسان صاحبها، انه صهيوني حتى العظم، ويتفاخر، وان همه من السعودية هو زيادة انتاج النفط، وبأسعار منخفضة جراء بلوغ السيل الزبى في المجتمعات الغربية، اكان في أوروبا المأزومة اقتصاديا، والمترهلة سياسيا وعلى طريق التفكك الحتمي، او في بريطانيا ام مصائب الدنيا، وللعرب نصيب كبير من تلك المصائب حيث اوجدت لهم كيانا اغتصابيا عنصريا، ام في المجتمعات الأميركية اللاهثة للحصول في هذه الأيام على الطعام من بنوك الاطعام المجانية لخسارة القدرة على تغطية النفقات الأسرية وغلاء السلة الغذائية والخدمات، جراء السياسات المالية المنتهجة من شياطين الشركات المتوحشة ممثلة في الادارة .

لقد شهد العالم ثلاثة أمثلة ساطعة، في عقم سياسات التبعية الغربية العمياء، لما تخططه واشنطن، وليس الدرس الاوكراني الا رأس قمة جبل الجليد، وتحت شمس لاهبة، فالصراخ والاستغاثة في المانيا كأكبر اقتصاد أوروبي، والمصنف رابعا في العالم، يملآان المدى، والسلطة قاب قوسين أو أدنى من الرحيل بسبب العجز عن المعالجات، رغم المناورات الباهتة لغش الشعب، بان المن والسلوى آتيان على حصان اشهب، وما على الشعب الا التوهم بان روسيا سوف تخسر معركتها في ردع من يحاول ان يمس أمنها القومي .بينما التضخم في المانيا يتصاعد مصحوبا بتزايد الاستياء من المستشار أولاف شولتس، ويمكن ان تتعمق أزمة حكومته الائتلافية، وبالتالي لا مفر من انهيار الحكومة، او بكلمة ملطفة، ، الاستقالة.

اما إيطاليا التي اعلن رئيس وزرائها ماريو دراغي استقالته نتيجة عجز حكومته، ليس فقط عن معالجة ارتفاع الأسعار الجنوني، وانما العجز التام عن معالجة الحد الأدنى من الديون، اذ يبلغ الدين العام لإيطاليا 155٪ من الناتج المحلي الإجمالي وهذا رقم خيالي، وعجز ميزانيتها 7.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي (2021)، وهو على زيادة، فيما ميزان مدفوعاتها الآن سلبي.  

لقد حاول دراغي الهروب من اعلان صريح بأن إيطاليا مفلسة، وما يؤخر الإعلان هو ان البنك المركزي الأوروبي طبع أموالا غير مضمونة وأقرضها للحكومة الإيطالية بسعر فائدة قريب من الصفر. لكن إيطاليا فشلت في سدادها دون دعم جديد من البنك المركزي الأوروبي. ولذلك فان مشكلة الديون وتمويلها أصبحت أسوأ بكثير. وما الانخفاض المريع لسعر اليورور، الا جزءا يسيرا مما ينتظر القارة جراء غباء قادتها الموهومين بخشبة خلاص أميركية .

اما فرنسا فبشر رئيسها إيمانويل ماكرون أنه "سيتعين على الفرنسيين أن يستعدوا للاستغناء عن الغاز الروسي أو انقطاعه، مما يعني أن الخريف والشتاء سيكونان قاسيين جدا".  

لم يعد من شك ان التضخم في الاتحاد الأوروبي بات خارج السيطرة ويقود الى تدمير اقتصادات جميع أعضائه، وبالتسلسل، واحتمال كبير ان يكون الانهيار كتساقط احجار الدومينو، وستكون اليونان على رأس القائمة، ولذلك تبحث عن حل فردي عبر الاتفاقية مع إسرائيل لتوريد الغاز إذا تمكنت الأخيرة من الإنتاج، بعد المعادلة التي أرساها امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، بأنه لا يمكن لاحد ان يستخرج، اذا لم يسمح للبنان بالاستخراج بغض النظر عن ترسيم الحدود البحرية التي يطالب لبنان بكامل حقوقه فيها.  

ان البحث عن حلول فردية ضمن الاتحاد الأوروبي، أي " يا رب نفسي" مؤشر اخر على احتمالية التفكك الأسرع للاتحاد، ما يطرح السؤال الأكبر إذا كانت الولايات المتحدة تريدهم الالتحاق بالمفرد وليس كتكتل يمكن ان يشكل في لحظة ما عامل تمرد جماعي، رغم ان المجموعة بكليتها الآن في القبضة الأميركية. التي باتت إدارتها أيضا تبحث عن حلول خاصة بها مع تعمق أزمتها في ضوء التضخم غير المسبوق منذ 40 عاما.  

لقد ذكرت شبكة "abc news" في تقرير أنه مع ارتفاع أسعار الوقود إلى جانب تكاليف السلة الغذائية من البقالة وغيرها، يحاول الكثير من الأفراد الحصول على الطعام من الجمعيات الخيرية وبنوك الطعام، والطوابير تصطف طويلة في جميع أنحاء الولايات المتحدة حيث يسعى الأمريكيون المثقلون بسبب التضخم إلى الحصول على مساعدات غذائية لإطعام أسرهم، بينما الإدارة الأميركية لا تخجل من القاء اللوم على روسيا في المجاعة الزاحفة على العالم، لكنها وقعت في الفخ الذي نصبته لمحاصرة روسيا، ما دفعها للبحث عن حل جزئي لنفسها، وفي هذا الاطار أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية رفع العقوبات عن استيراد الأسمدة، والأغذية، والبذور، والأدوية، والمعدات الطبية من روسيا. كما أنها رفعت العقوبات عن مصرف "ألفا بنك" الروسي في كازاخستان، وشركة "غازبروم غرمانيا" في ألمانيا.  

لا يبدو ان هذا المؤشر يمكنه ان يقدم حلا، ولو مرحليا، لان الولايات المتحدة، والدول التابعة لها في الغرب وغيره، ليس هدفها من العقوبات المرتدة عليها، معالجة زيادة أسعار الغذاء وإنقاذ المحاصيل الآخذة في التراجع ومعالجة أزمة  الوقود العالمية، إنما تطويق وعزل روسيا ضمن صراع عميق جوهريا، وربما وجوديا، بين من يريد بقاء سطوته على العالم بمفرده، حتى لو حل الجوع على سكان الأرض قاطبة، وتدمير ممنهج للقيم الانسانية فيه، وصولا الى  ارتكاب حماقة نووية تهلك البشرية، وبين من يريد التوازن في العالم المتعدد أصلا بتكويناته، ويجب ان ينعكس ذلك في عالم جديد متعدد الأقطاب يتكامل الاستقرار فيه من خلال الإقرار بالأمن القومي للجميع كما الغذاء والطاقة للجميع والحقوق للجميع.. عالم يحفظ الانسانية وقيمها النبيلة  

ان بعض الإجراءات الأميركية تدل في الجوهر على فشل سياسة العقوبات مهما بلغت، وباتت الإدارة الأميركية تفهم ذلك رغم المكابرة والأكاذيب التي تسوقها ما سيولد حركة وعي عالمية، بعد استيعاب الصدمة، وذلك سيؤدي حتما الى سقوط منظومات التسلط الأميركي على العالم.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل