أقلام الثبات
لم تخرج زيارة بايدن الى المنطقة بنتائج كبيرة، وبدت إعلامياً كأنها حملة علاقات عامة كان بايدن وإدارته يريدانها، وذلك في ظل تراجع شعبية الرئيس على ابواب انتخابية نصفية، يبدو فيها الجمهوريون أفضل حالاً من الديمقراطييين الذين سيتحملون وزر ارتفاع الأسعار والتضخم وشعور الأميركيين بالعسر الاقتصادي.
وفي تقييم زيارة بايدن، يمكن الاشارة الى ما يلي:
1- كان لزيارة بايدن أن تكون زيارة "طبيعية وتاريخية" بنفس النتائج الحالية، لولا أن الاسرائيليين استمروا قبلها بالتسويق الى أن الزيارة ستكون مقدمة لإعلان تحالف عسكري اسرائيلي – عربي موجّه ضد إيران، وأن توقيع اتفاقيات التطبيع "العلني" مع السعودية سوف يحصل خلالها... وبما أن الزيارة لم تحقق أيًا من الأمرين، أعطت انطباعاً بالخيبة.
2- سوّق الاعلام الأميركي المحسوب على الديمقراطيين أن بايدن قادم الى المنطقة لزيارة السعودية، لتأمين قيام السعودية بضخ مزيد من النفط في الأسواق لتخفيض الأسعار، وبالتالي هو مضطر للتخلي عن القيم الأميركية في مناصرة حقوق الانسان، والتنازل عن شروطه السابقة بالنسبة لولي العهد السعودي، خصوصاً في موضوع خاشقجي.
وبما أن هذا الأمر لم يتحقق، وأعلن ولي العهد السعودي بأن قدرة المملكة هي زيادة لدرجة 13 مليون برميل يومياً فقط، وأنها لا تستطيع أن تزيد أكثر، فاعتبرت الزيارة مخيبة للآمال. علماً أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد أخبر بايدن أن السعودية والإمارات لا يستطيعان زيادة الإنتاج.
3- يعتبر "إعلان القدس" إنجازاً يُحسب لإسرائيل في زيارة بايدن، ولكن النص بحدّ ذاته ليس فيه أي شيء جديد، باستثناء أنه يؤكد المؤكد بـ"الالتزام بأمن اسرائيل" وهو أحد ثوابت السياسة الأميركية الذي يتخطى الإنقسام الحزبي في أميركا.
وانطلاقاً منه، تعمد الولايات المتحدة دائماً على تأمين التفوق الاسرائيلي العسكري في المنطقة، ومن هنا يأتي التأكيد على منع إيران من الحصول على السلاح النووي وهو أمر لطالما ردده جميع الرؤساء الأميركيين قبل بايدن، حتى أوباما الذي عقد اتفاقاً نووياً معها بهدف منعها من إمتلاك القنبلة النووية عبر تكبيلها بالدبلوماسية.
4- كان إعلان بايدن أنه لن يزيل الحرس الثوري الإيراني مطلقاً عن لائحة الإرهاب، بمنزلة نعي للاتفاق النووي الايراني، لأن إيران تضعه أحد الشروط الرئيسية للعودة للاتفاق.
5- الرابح الأكيد من هذه الزيارة هو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي رعا المؤتمر الأميركي ـ العربي، والذي أظهر نفسه "ملكاً فعلياً" للسعودية، وأظهر للعالم أن الرئيس الأميركي الذي وعد العالم بعدم مقابلته وبجعل المملكة معزولة، ها هو يأتي الى السعودية ويبايعه "حاكماً فعلياً" مقبولاً أميركياً.
عملياً وواقعياً، تؤكد زيارة بايدن الى المنطقة أن الأميركيين قد وصلوا الى مرحلة اللاعودة في تخفيف انخراطهم في المنطقة لصالح إنخراط اكبر في كل من أوروبا وشرق آسيا. ولهذا، أتى بايدن ليقول أن الأميركيين ملتزمون بحماية مصالحهم في المنطقة وذلك عبر منع أي دولة كبرى من استغلال الفراغ الاستراتيجي الذي ستتركه الولايات المتحدة، ولكن، والأهم، على دول المنطقة أن يقوموا بمهمة حفظ أمنهم بأنفسهم، وأن يسعوا للاستقرار عبر الحوار والدبلوماسية، وأن عصر الانخراط العسكري الأميركي لتأمين أمن الحلفاء قد انتهى.
بالنتيجة، رسالة بايدن للمنطقة: تحمّلوا مسؤولية أمنكم ومصالحكم، وسنكون هنا للمساعدة في حال تدخلت دولة كبرى، وفي حال تمّ الاخلال بأمن اسرائيل.