أقلام الثبات
يبدو أن الأميركي هو الذي اكتشف أشهر مقولة نازية أطلقها جورف غوبلز وزير الدعاية في العهد الهتلري "أكذب أكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم أكذب أكثر حتى تصدق نفسك".
على مدى 246 عاماً من تاريخ الولايات المتحدة أي منذ إعلان استقلالها عام 1776، كان نهجها توسيع أراضيها ونفوذها، في نفس الوقت الذي لم تدخر جهداً من أجل الهيمنة العالمية، وعليه، فإن مشاركتها في بعض الحروب الكبرى، وخصوصاً في الحربين العالميتين الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945)، جاءت متأخرة جداً بعد أن اتضحت اتجاهات الحربين ولمن الغلبة فيهما.
الحرب العالمية الأولى دخلتها واشنطن بعد أن بات واضحاً أن الحلفاء يتجهون لهزيمة حلف المحور، في نيسان 1917 أي بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، بعد أن ظلت على الحياد، على الرغم من الكراهية الكبيرة التي كان يكنها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون لألمانيا زعيمة حلف المحور، وعلى الرغم من أن واشنطن باتت خلال هذه الحرب أهم مورد لبريطانيا وفرنسا، وبالتالي، فإن الولايات المتحدة قطفت الشراكة في الانتصار في هذه الحرب بأقل كلفة.
الحرب العالمية الثانية، دخلتها الولايات المتحدة في العام 1941، أي بعد سنتين من الحياد الذي اتخذته في هذه الحرب الكونية، علماً أنها كانت تبيع السلاح والذخيرة لبريطانيا والحلفاء، وذلك بعد غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 كانون الأول 1941 على الأسطول الأميركي في المحيط الهادي، وقد ساعدت هذه الحرب الولايات المتحدة على التوغل في أوروبا وربط اقتصادها بالاقتصاد الأميركي، علماً أن واشنطن وضعت مبالغ مالية كبرى من خلال مشروع مارشال، لإنعاش الاقتصاد الأوربي، إضافة إلى قروض ميسرة لأوروبا الغربية، التي أسهمت أيضاً في انعاش الاقتصاد الأميركي.
إذاً في السجل الأميركي، استغلال لحروب دخلتها متأخرة، من دون أن تدفع الخسائر المتوجبة على وقائعها، على نحو ما فعلته في الحرب العالمية الثانية، إثر تحرك الأميرال الياباني شوشي ناجومو على رأس اسطول بلاده في 26 تشرين الثاني 1941 باتجاه ميناء بيرل هاربر الأميركي بجزر هاواي في المحيط الهادي، ليشن في 7 كانون الأول غارات ساحقة، على الأسطول الأميركي، فكان أن دخلت الولايات المتحدة هذه الحرب، بعد أن كانت جنت مليارات الدولارات من خلال دعمها الأوروبيين جراء بيع السلاح ومنح القروض المالية لتسديد فواتير الحرب الكونية، وبهذا كانت الجريمة الأميركية الكبرى في 14 آب 1945 (أي قبيل انتهاء الحرب)، باستهداف مدينتي هيروشيما ونكازاكي بقنبلتين نوويتين راح ضحيتها أكثر من 250 ألف مدني ياباني، وتدمير المدينتين بشكل كامل وتلويث البيئة وكل عناصر الحياة فيهما.
بشكل عام لوحظ مع بدايات هذا القرن تصاعد اتجاهات غير تقليدية للكذب في العلاقات الدولية، يأتي في مقدمتها الخطابات الشعبوية الموجهة مباشرة الى مواطني بلد العدو، وتضليلهم عن حقيقة الأوضاع والتشكيك في قياداتهم السياسية وعدم قدرة قواتهم العسكرية، مع تسريب رسومات بيانية تضليلية للنتائج المدمرة فيما اذا اندلعت الحرب، معززة بالصور والاصوات والوثائق المزيفة.
وهنا نعرض امثلة من تلك الأكاذيب التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية في تاريخ تعاملها السياسي مع الأزمات الدولية في القرنين الماضيين:
عام 1898 تذرعت الولايات المتحدة بانفجار لم تعرف أسبابه وقع في البارجة «MEN» التي كانت راسية في ميناء هافانا، لدخول الحرب ضد إسبانيا واحتلال جزر الكاريبي للسيطرة على مواردها الطبيعية.
في 16 تشرين الأول 1962 كذبت إدارة كينيدي على شعبها والعالم أثناء أزمة الصواريخ الكوبية مع الاتحاد السوفياتي، وهي من وقعت صفقة سرية مع الاتحاد السوفيتي تقضي بان تسحب الولايات المتحدة لصواريخ جوبيتر ذات الرؤوس النووية من تركيا على أن يسحب الاتحاد السوفياتي صواريخه من كوبا، واشترطت على السوفيات عدم الإعلان للرأي العام عن هذه الصفقة.
في الثاني من أب 1964 ولتبرير دخول الولايات المتحدة حرب فيتنام، ادعت واشنطن بأن المدمرة “يو إس إس مادوكس” التي كانت متمركزة في خليج تونكين قبالة سواحل فيتنام تعرضت لهجوم من جانب قوارب طوربيد فيتنامية وكانت هذه الكذبة من صنع وكالة المركزية المخابرات (CIA)
في الخامس من شباط 2003 وقف وزير الخارجية الأمريكي ( كولن باول) يعرض أمام مجلس الأمن صوراً ووثائق وخرائط مزيفة عن حيازة العراق أسلحة دمار شامل لتبرير غزو العراق واحتلاله. واعترف (كولن باول) في مقابلة مع قناة CNN قائلا انه خدع من المخابرات وأن هذا الموقف شكل وصمة في تاريخه العسكري والسياسي.
وفي شهر نيسان غزت الولايات المتحدة الأميركية بلاد الرافدين فتسببت وما تزال بالويلات جراء استعمال جميع أنواع الأسلحة بما فيها المحرمة دولياً والمشبعة باليورانيوم.
والآن تتجسد بوضوح العدوانية الأميركية بحق شعوبنا العربية، سواء ما فعله الأميركي والأطلسي في ليبيا، أو من خلال عدوانيته المستمرة في سورية، حيث اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية بالدور الأميركي في ولادة وتجهيز داعش، في الوقت الذي ادعت فيه واشنطن منذ عهد باراك أوباما عام 2015، أن وجود القوات الأميركية في سورية من أجل "مكافحة إرهاب داعش"، بينما هي في الحقيقة تضطلع بادورار استراتيجية تتعلق بمصالح الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، إضافة إلى مهام لصوصية، من خلال نهب النفط السوري وسرقته.
علماً أن الوجود الأميركي في سورية، لا يستند إلى أي تفويض دولي أو محلي أو إقليمي.
بأي حال فإنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 تعددت أشكال العدوانية الأميركية على الدول والأمم والشعوب، سواء من خلال الانقلابات العسكرية، أو من خلال انتشار قواعدها العسكرية، وهلم جرا.. وآخر ابتكاراتها العدائية ضد الشعوب، هي "حروب الواسطة" التي تقودها واشنطن بأشكال مختلفة، حيث تستعمل شعوباً كوقود لمشاريع هيمنتها وسيطرتها على العالم، وتسخر شخصيات تخترعها مخابراتها وإعلامها من هذه الدول أو تلك، لتخرب بلدانها وعلاقات هذه البلدان مع الآخرين، على نحو ما جرى ويجري عندنا في لبنان، تذكروا لقاءات 14 آذار، وعشاء السفارة في عوكر لشخصيات هذه الـ "14 آذار" في حرب تموز 2006.. ثم كيف انتشى فؤاد السنيورة حين أطلق عليه في زمن جورج بوش جونيور لقب "رجل الدولة" التي بانت تماماً بمواقفه إبان حرب تموز، وفي أيار 2008.
والآن: تابعوا سيرة المهرج الأوكراني برتبة رئيس دولة زيلنسكي، كيف أدخل بلاده مع النازيين الجدد في حرب مع روسيا.
ثمة حقيقة واحدة، هي أن اليانكي الأميركي أكثر طموحاً، وعدوانية من النازية الهتلرية، لكن دائماً دائماً.. سيحصد: فيتنام جديدة، وكمبوديا جديدة، ومقاومة لبنانية عملاقة، وسورية تزداد صموداً وصلابة، وتواجه، وإيران التي تتقدم وتتقدم رغم كل الهمجية والعدوانية الأميركية.
فهل نحن أمام مرحلة زوال لإمبراطورية دب فيها الهرم والشيخوخة.. والخرف؟!.