أقلام الثبات
في توقيت مدروس بعناية، وتزامنا مع زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة إستهلّها بإسرائيل، آثر الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله توجيه "رسائل" من العيار الثّقيل الى "الإسرائيلي" و"الضّيف" الأميركي معا، ودوّى صداها في ارجاء الكيان ووصلت مضامينها جيّدا وعن قرب لبايدن.. القصّة لم تعد محصورة بحقل كاريش، بل" ما بعد بعد كاريش"، ليُصنَّف خطاب ليل امس الأربعاء ب" الأهمّ والأخطر" على الإطلاق في هذه اللحظة المفصليّة، خصوصا انّ السيّد نصرالله وسّع دائرة تهديداته صوب "اسرائيل" لتشمل كلّ خيارات الحزب البريّة والبحرية والجويّة، ووضعها على الطاولة إذا مُنع لبنان من استخراج الغاز، وسيّما انه دفع في خطابه الى نقطة "اللا عودة"، معتبرا-في سابقة هي الأولى "انّ الذّهاب الى الحرب اشرف بكثير من دفعنا الى الإنهيار"، وهو كلامٌ عالي السّقف وغير مسبوق بعدما كانت معادلة السيّد سابقا" نحن لا نريد الحرب لكننا لا نخشاها".. ليفتح بذلك ابواب كلّ الإحتمالات على مصراعيها، حدت بتل ابيب -وخلال ساعات قليلة على خطاب السيّد،" للإيعاز الى باريس بالتحرّك سريعا بوساطة على خطّ الضاحية الجنوبية-وفق ما كشف مصدر في موقع صحيفة "ميديا بارت" الفرنسية، موضحا انّ الوساطة جوبهت بكلام محدّد لا رجعة عنه:" لا مهلة اضافية، واتخذنا قرارنا"!
لوّح السيّد نصرالله مرّة اخرى بالخيار العسكري وهو المدرك انّ آخر ما تريده واشنطن اليوم انزلاق المنطقة الى حرب لا يُحمد عقباها، والأمر نفسه ينسحب على "اسرائيل"- المستفيد الأكبر اليوم من الحرب الدائرة في اوكرانيا، وحاجة اوروبا الماسّة الى الغاز البديل عن الرّوسي والتي تلقّفتها تل ابيب وعرضت التّعويض عنه بالغاز "المسروق" وتصديره اليها، وهي فرصة ذهبية اتاحتها لها الحرب الأوكرانية.. وبالتالي، إذا كانت "اللا مصلحة" لإسرائيل والولايات المتحدة بالحرب في هذه المرحلة، فإنّ للبنان-الرّازح تحت حصار اميركي-اسرائيلي خانق مستمرّ منذ اكثر من سنتين اوصل البلد الى انهيار شبه كامل في جميع مؤسساته ومفاصله.. كلامٌ آخر!
وفيما حذّر السيّد نصرالله " بأنّنا نتابع كلّ ما هو موجود على شواطئهم ولدينا كلّ الإحداثيّات، كلّ الحقول والآبار والمنصّات بأسمائها وإحداثيّاتها، التي تعمل والتي لا تعمل، ومن بطَور التنقيب ومن لا.."، ووضع امام تل ابيب معضلة فتح معركة بريّة-بحريّة وجويّة في آن، الا انه أخفى اوراقا كثيرة "هامّة" في "جَيب" الحزب لتبقى ضمن رزمة "المفاجآت" التي جهّزها للحرب القادمة.. وبالتالي، وضع نصرالله "اسرائيل" امام تحدّيات "تفكيك شيفرات" هذه المفاجآت في حال المضيّ في قرار استخراج النفط والغاز بالقوّة العسكريّة، اذا ما استمرّت تل ابيب وواشنطن بالمماطلة والمراوغة.. فالمهلة باتت ضيّقة.."شهران مفصليّان للتحرُّك..وإلا"!
فشهر ايلول مُفترض ان يكون توقيت بدء سفينة "اينرجين باور" باستخراج الغاز من حقل كاريش، وبعدها، سيكون الحقل خارج معادلة التفاوض.. ولذلك رفع السيّد نصرالله من وتيرة تهديداته، وأوصل رسالة الحزب بشكل واضح الى الثنائي الأميركي-الإسرائيلي: " التنقيب مقابل التنقيب".. "ممنوع على لبنان التنقيب عن نفطه وغازه؟، فممنوع عن اسرائيل التنقيب ايضا".
وعليه، سيكون على "الإسرائيلي" من الآن، وضع مجموعة من الإحتمالات "الخطيرة" على الطاولة التي قد يلجأ اليها حزبُ الله.. " هل على اسرائيل التركيز على احتمال تحرّك فرقة غوّاصين من قوات النّخبة في الحزب لتنفيذ عمليّة بحرية ضدّ احدى منصّاتها وفي ايّ بقعة كانت في الساحل الفلسطيني؟ ام عليها التصويب على احتمال استهداف قطعاتها العسكرية البحرية التي تحمي "سرقة" غاز حقل كاريش؟ ام عليها توقّع ان يُنفّذ الحزب عملية غير مسبوقة ضدّ احد موانئها؟.. ام يذهب الى ابعد من ذلك، باستخدام صاروخ "ياخونت"- ذات الميزات الهائلة، الذي دفع تل ابيب الى توجيه ضربات متتالية ضدّ اكثر من هدف عسكري سوري بحثا عن هذه الصواريخ واخرى تعتبرها كاسرة للتوازن حصلت عليها دمشق من طهران-وفق ما اكّد محللون عسكريون "اسرائيليون"؟
هذا قبل ان تُجمع بعض المواقع الإخبارية العبريّة مؤخرا، على خبر "صواريخ ياخونت أمّنها الأسد الى حزب الله"!..مع التذكير بتصريح كان ادلى به قائد سلاح البحريّة "الإسرائيلية" منتصف شهر ايلول من العام 2016، وكان حينها رام روتبرغ، وقال فيه لصحيفة "يديعوت احرونوت" محذّرا:" إنّ تسلّح حزب الله بصواريخ متطوّرة لا يقتصر على صواريخ"ياخونت" الروسيّة!
وعليه، فإنّ ما ينتظر "اسرائيل" في حال ذهب حزبُ الله الى خيار الحرب، اخطر بكثير مما تتوقعه اجهزتها الأمنيّة والإستخباريّة.. خصوصا وسط معلومات كشفت عن "لقاء هام واستثنائي" جمع مؤخرا السيّد نصرالله والرئيس السوري بشار الأسد في دمشق. وهو ما يُنذر -في حال صحّت المعلومات، ب"أمر ما" على قدر عال من الأهمية تمّ الإتفاق عليه حيال المرحلة القادمة..
فهل المنطقة مقبلة على تسوية ام تفجير؟ مع استبعاد الفرضيّة الثانية ربطا بتهرّب "اسرائيل" والولايات المتحدة في هذه الفترة تحديدا، من ايّ توتر مع حزب الله او حماس قد يُفضي الى حرب شاملة، وترجيح ان يُذعن الثنائي (الإسرائيلي-الأميركي) ويبادر الى تسريع عجلة المفاوضات.. الا اذا طرأ اي حدث فجائي ولجأت "اسرائيل" الى خطوة "ناقصة" غير محسوبة العواقب، فعندها وإذا ما اشتعلت شرارة المواجهة العسكرية، فإنها ستكون هذه المرّة خارج القدرة على التحكّم بها..خصوصا انّ معلومات صحافية لبنانية مواكبة، كشفت في الساعات الأخيرة بُعيد خطاب السيّد نصرالله، تلقُّف الفرنسيين اشارات تؤكد قرار استهداف كلّ منصات الغاز "الإسرائيلية" اذا لم تتجاوب تل ابيب مع الشروط اللبنانية واستكملت اعمال استخراج الغاز من حقل كاريش، وانّ " الأخطر" يبقى طيّ المفاجآت في حوزة حزب الله!
" وحيث قد تخترقها مفاجأة انضمام جبهة غزّة سريعا الى نظيرتها اللبنانية، والأرجح ان تُتوّج بالتزامن بحدث عسكري غير مسبوق من الجبهة السورية"- وفق ما نقل الكاتب المعروف تشارلز ليستر عن ضابط كبير سابق في المخابرات العسكرية الروسيّة، والذي جزم "انّ صواريخ سورية الإستراتيجية، والتي بقيت سالمة في اماكن محميّة طيلة سنوات الحرب، بات تحرّكها اقرب مما تتوقعه "اسرائيل"-بحسب اشارته!