أقلام الثبات
محظوظ الرئيس نجيب ميقاتي، يتأبط السلطة التنفيذية تصريفاً وتكليفاً وتأليفاً، ويسير بها على السجادة الحمراء مغتبطاً بين الحلفاء والخصوم من السياسيين، في سابقة لم تعرفها الساحة اللبنانية من قبل، ولا أحد يُعيِّر ميقاتي بالأصوات الهزيلة التي نالها في الإستشارات النيابية المُلزِمة، ولا دستور ينصُّ على مهلة للتأليف، وهو يكاد لا يُشكِّل آخر حكومة في عهد الرئيس عون ما لم تنهمر عليه ضغوط إستثنائية، لأنه بصفته يقوم بتصريف الأعمال مرتاحٌ لوضعه، ولا أحد يدفع ثمن هذه الراحة سوى قطاعات البلد المشلولة حتى النزع الأخير.
الضغوط على ميقاتي من الخارج مُستبعدة، لأن بعض الخارج يتفرَّج على "حريق روما"، والبعض الآخر لديه متاعبه في أمكنة أخرى، ما يكفي لإقصائه عن الملف اللبناني، أما الضغوط الداخلية فلا يمكن لأي فريق القيام بها باستثناء الثنائي الشيعي، الذي سمَّى ميقاتي من ضمن القوى السياسية القليلة لخلو الساحة من أسماء جدية أخرى من جهة، ولأن ما بقي من ولاية العهد لا يستحق تغيير رؤوس، بعد استبعاد أسماء غير مقبولة وطنياً، وإقصاء الإنتخابات النيابية الأخيرة أسماءً أخرى عن ولُوج السراي.
والضغوط على مرمى ميقاتي ليست حصراً من مسؤولية الثنائي، بل يجب على التيار الوطني الحر إتقان إحتراف الهجوم، كي يمنع ميقاتي من التلاعب بالكُرة في الوقت الضائع، لكن الهجوم عبر المطالبة بحصص وزارية لم يعُد مجدياً، والتمسُّك بوزارة الطاقة ورقة محروقة، بل أحرقت أصابع كل وزراء التيار على مدى 17 عاماً، نتيجة كيديات أهل السياسة ومافيات الفساد، ولا بأس لو يقبل التيار نصيحة أحد المخضرمين في السياسة الذي كان يكرر لهم النُصح منذ معاناتهم مع تشكيلات الرئيس سعد الحريري: دعوا أي رئيس مُكلَّف يُشكِّل حكومته على مسؤوليته وحاسبوه من داخلها ومن مجلس النواب بدل أن يلصق بكم دائماً تُهَم العرقلة.
والمرحلة التي تفصل التيار الوطني الحر عن نهاية ولاية قائده باتت أشهراً قليلة، لكنها الأخطر، لأن خصوم الرئيس يحتشدون خلف الكواليس، وأبرزهم سمير جعجع، وسط رضى جنبلاطي وحتى حريري من خلف الكواليس بوجوب إنهاء عهد ميشال عون بأفدح الخسائر عليه وعلى التيار وعلى جبران باسيل بشكلٍ خاص، مع تسجيل مُباركة لبكركي في هذا السياق، من خلال ذهاب البطريرك الراعي الى أقصى ما يُمكن في وضع شروط ومواصفات الرئيس العتيد، وفي مقدِّمتها أن يكون من خارج نادي السياسة والأحزاب، في تلويحٍ وتلميح الى فئة رجال الأعمال الذين يميل إليهم الراعي منذ إعلان شعار وصوله الى السُدَّة البطريركية "شركة ومحبة" بدل "شراكة ومحبة"، لأن هذه الفئة تحديداً لا تُنافس السلطة الدينية في الإستحواذ على القواعد الشعبية!
توسَّع الراعي في نشر متاريسه، وهو يكاد حتى من الديمان يحاول تحدِّي "الهوا الشمالي"، الذي ربما جمع جبران باسيل مع حليف سليمان فرنجية فريد الخازن في اللقلوق، ورغم الخلافات الحكومية للتيار مع ميقاتي، فهو أيضاً من "حزب الهوى الشمالي"، وبدلاً من "شدّ الهمَّة" بموضوع تشكيل حكومته، بات الرجل لاعباً أساسياً في سيناريو الإنتخابات الرئاسية، ومن الآن حتى هذه الإنتخابات والى ما بعدها أيضاً، ستبقى السجادة الحمراء مفروشة لميقاتي دون سواه، واللبنانيون يعيشون الأمل برئيسٍ قويٍّ آخر، تكون ظروف حكمه أفضل من الرئيس عون، ويحكُم وفق الدستور عبر "الشراكة والمحبة" بين اللبنانيين، بعيداً عن المعنى النفعي الفاقع لشعار "شركة ومحبة"...