أقلام الثبات
تلاقي جماعات التطبيع اللبنانية مثيلاتها العربية، في محاولتها تمهيد الأرض وإزالة العقبات من طريق التحالف العسكري، الذي يسعى الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إقامته، خلال زيارته المنطقة العربية، في الأيام والأسابيع المقبلة، للجمع بين دول التطبيع العربية وكيان العدو "الإسرائيلي"، بغض النظر عن شكل هذا التحالف والخدعة التي سيمرر بها، أمام أعين شعوب تلك الدول، المخدرة بالفقر والقمع والتصفية السياسية والجسدية، لكل من يعارض هذه الأفعال الخيانية، حيث تغيب الديموقراطية التي يتغنى بها الغرب، عن تلك الدول المطبعة التي وجدت أنظمتها بقرار منه وتعيش تحت حمايته.
وفيما تنقل وكالات الأنباء الأميركية عن البيت الأبيض، أن واشنطن تبحث إمكانية تكامل الدفاعات الجوية مع دول "الشرق الأوسط"، إزاء التهديد الإيراني. تخرج أبواق واشنطن وتل أبيب من بيروت، رافضة تهديد المقاومة للعدو "الإسرائيلي"، في حال إعتدائه على حقوق لبنان في حقول النفط والغاز، الواقعة على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة. والأوقح من ذلك، أن بعض الأبواق المعروفة بوراثتها السياسية أوالعائلية أوالحزبية، للعلاقة مع العدو "الإسرائيلي" والعمالة له، إنتقدت خطوة المقاومة الجريئة بإرسال مسيّرات للكشف والتصوير، قرب باخرة التنقيب التي إستقدمها العدو إلى حقل "كاريش"؛ واعتبرتها رسالة إيرانية، فيما هي رسالة مقاومة للعدو، تقول له أنها موجودة لحماية أرض لبنان ومياهه وحقه في حقول الغاز داخل مياهه الوطنية. لكن لماذا تركيز أبواق واشنطن وتل أبيب في بيروت، على إيران وزجها في هذه القضية اللبنانية، التي يربح أو يخسر فيها لبنان وليس إيران. وبالتالي، إذا كان الدعم الإيراني للمقاومة يمنع العدو "الإسرائيلي" من السطو على أرض لبنان ومياهه، أو إجبار حكامه على السكوت عن ذلك، فيجب شكر إيران وليس إنتقادها.
تلك الأبواق التي جاء إعتراضها وتشكيكها، بوطنية هذا الفعل المقاوم، لإرضاء الأميركي و"الإسرائيلي" معاً، لو علم أصحابها معناها، لأحجموا عنها حفاظاً على ماء وجوههم وما تبقى لهم من كرامة وطنية، إذا كانت الكرامة الوطنية تعنيهم. فهم بمواقفهم تلك يقدمون خدمة مجانية للعدو. ويلطخون حاضرهم ومستقبلهم بعار لا يقل عن عار عملاء الإستعمار، أمثال نوري السعيد وشاه إيران ومن حالفهما في ذلك الزمن.
عندما ظهر "حلف بغداد" عام1955، بحجة "الوقوف بوجه المدّ الشيوعي في الشرق الوسط". كانت الولايات المتحدة الأميركية هي صاحبة المشروع، لكنها وكلت بريطانيا القيام به. وكان الحلف يتكون إلى جانب المملكة المتحدة، من العراق وتركيا وإيران وباكستان. ومن طبيعة تلك الأنظمة، كان واضحاً أن الحلف يضم أنظمة غير معادية للكيان "الإسرائيلي". وتأتمر بأوامر الإدارة الأميركية.
وكما هو معروف، كان لمصر جمال عبد الناصر اليد الطولى في الحملة لإفشال هذا الحلف، عبر فضح مراميه وأهدافه أمام العرب، فكانت الإطاحة بالملكية في العراق أولى ثمرات الحملة، فقتل نوري السعيد وأعلنت الجمهورية في العراق. وخسر الحلف عاصمته ولم يعد ذو جدوى. فيما شهد الأردن محاولات إنقلابية عدة، دفعت الملك حسين إلى تجنب الدخول في ذلك الحلف، مع حلفائه المعلنين المشاركين فيه. وكان مقدرا للبنان أن يكون في ذلك الحلف، لأن رئيسه في ذلك الوقت، كميل شمعون، كان حليفاً لشاه إيران ونوري السعيد والملك حسين، في بوتقة التبعية للسياسات الأميركية.
وهذه الأيام، تسعى الولايات المتحدة، تحت حجة "مواجهة الخطر الإيراني"، الذي يقلق العدو "الإسرائيلي" ويعطل سعيه للسيطرة على المنطقة كلها، بعد أن نجح في إحتلال معظم فلسطين وأجزاء من سورية ولبنان. علماً أن مدينة إيلات المحتلة هي مصرية، كان إسمها "أم الرشراش" قبل ان يبدله المحتل الصهيوني.
ويبدو واضحاً أن الموضوع الرئيسي لزيارة بايدن المقبلة للمنطقة، هو إنشاء هذا الحلف. وكل ما عدا ذلك مجرد هوامش لهذه الزيارة. ولذلك قدم مشرعون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مشروع قانون يهدف إلى دمج دفاعات جوية لتسع دول عربية هي: دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى العراق والأردن ومصر مع الكيان الصهيوني.
وإذا كان مستبعداً إنخراط العراق في هكذا حلف، فإن مصر والمملكة السعودية هما العنصران المستجدان على هكذا مشاريع. صحيح أن بعض تلك الأنظمة محرج، لكن هؤلاء لم يتعودوا على رفض الإملاءات الأميركية والتمرد عليها. وكشف البيت الأبيض ، أن الرئيس بايدن سيجتمع في المملكة السعودية مع الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، في نقض لوعوده بجعل المملكة "منبوذة"، عقابا لها على جرائم ولي العهد وأولها قتله الصحافي جمال الخاشقجي. والرئيس بايدن بحاجة إلى هكذا حلف يطمئن "إسرائيل" على مستقبلها المنظور، من جهة ويضمن له دعماً من يهود الولايات المتحدة، بات يحتاجه بشدة، في الانتخابات النصفية المقبلة. كما أن قيام الحلف، سيؤمّن بقاء سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة على المنطقة، التي تشهد محاولات روسية وصينية للدخول إليها، بما يؤدي إلى زعزعة الهيمنة الأميركية الحالية.
إذاً لماذا حملة الحقد والإفتراء على إيران؟
من الواضح أن إيران في معارضتها هذا الحلف الجديد؛ ورفضها لكل ما يريح ويفيد العدو "الإسرائيلي"، تعوّض غياب مصر عن دورها في مواجهة حلف بغداد. ولتحييد إيران وإخلاء الساحة للتطبيعيين من الحكام العرب، تقوم الأبواق التطبيعية اللبنانية والخليجية، بترجمة الإملاءات الخارجية بافتراءات وشتائم، يظنون أنها قد تكبل أيدي المقاومة وتعطل دورها وحركتها، في مواجهة المطامع "الإسرائيلية" تجاه لبنان، أو تمنعها من فضح خطوات التطبيعيين الخيانية. وهكذا تكشف الأبواق التي تتهجم على المقاومة وإيران تبعيتها للأميركي. وكل من يفتري على المقاومة وإيران يسقط قناعه؛ ويكشف عن وجهه التطبيعي الرافض لوجود المقاومة من الأساس، لأنه لا يعتبر "إسرائيل" عدواً، على غرار قول ممول تل الأبواق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "إن حكومة المملكة لا تنظر إلى إسرائيل كـ"عدو" بل كـ"حليف محتمل". ولذلك يجد أعداء المقاومة في دعم إيران لها، تعطيلاً لمسيرة الخيانة والتطبيع التي تقودها المملكة السعودية، كبديل عن عراق وإيران 1955، فيما تقوم إيران اليوم بدور مصر عبد الناصر، في مقاومتها الهيمنة الأميركية وأحلافها ورفضها التبعية وعدم ترك شعب فلسطين وحيداً في مواجهة الغزوة الصهيونية.