أقلام الثبات
لم تعد مسألة الأمن الغذائي في العالم، الهاجس الأكبر لشعوب الأرض، وانما المجاعة الشاملة في المعنى الدقيق للكلمة هي الهاجس الأكثر حضورا، من دون التدقيق في الأسباب الحقيقية التي يعمد مسببوها الى التخفي بالاتهامات، كلص ضبط بالجرم المشهود يتنكر لفعلته بإلقاء اللوم على الغير، وعلى العالم قبول لصوصيته، بامتنان، او يعمد الى تأديب من يحاول اظهار الحقيقة لان اللص يمتلك أدوات القوة للسرقة ولتبديل الحقائق بالتزييف والتخويف.
تعمد الولايات المتحدة الى اتهام العملية الروسية في أوكرانيا بأنها هي المسبب لكل الازمات من النفط الى الغاز الى الحبوب الى الأسمدة، ومن دون ان يرف لها جفن، وأيضا ضحايا السياسة الأميركية ولا سيما الأوروبيين المرتعدين من سطوة واشنطن. الذين يزايدون على بعضهم البعض في تقديم الطاعة والولاء للأميركي، مع انهم يدركون في اعماقهم، ان" التبلي " الأميركي على روسيا ليس الا احد وجوه القباحة الأميركية .وهذا ما يطرح سلسلة أسئلة، اجوبتها لا تحتاج ذكاء بشريا او اصطناعيا .
الم تدفع الولايات المتحدة، أوكرانيا الى الحرب، من خلال اغرائها بالانضمام الى حلف الناتو العدواني، رغم تكرار روسيا ان ذلك مخالف للاتفاقات المعقودة، وبالتالي فان ذلك يعني تجاوزا للخطوط الحمر، وتهديدا للأمن القومي الروسي؟.
أليست العقوبات التي بادرت اليها الولايات المتحدة ضد روسيا والتحق بها الأوروبيون كدول خاضعة للسطوة الأميركية، أدت الى النقص في النفط والغاز، وكانت دول الاتحاد الأوروبي الأكثر تضررا، وشعوب الاتحاد اكثر معاناة لجهة النقص، واثقال ارتفاع الأسعار غير المسبوقة؟.
أليست العقوبات نفسها التي انتجت قيود الاتحاد الأوروبي هي من عطلت سلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم وخلقت مشاكل في دفع ثمن الحبوب، بسبب فصل البنوك الروسية الرئيسية عن "نظام الدفع .SWIFT"؟.
اليس اختفاء الأسمدة من السوق العالمية التي تشكل روسيا ابرز منتجيها يعني انخفاض إنتاج السلع الغذائية، وهو ما ينذر بالجوع حول العالم، وهي مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية، وسياستها الاقتصادية الرعناء، ما جعل خسائر الاتحاد الأوروبي المباشرة من فرض العقوبات ضد روسيا تبلغ 400 مليار دولار في أربعة اشهر، وهي في ازدياد مستمر وباضطراد؟.
الم يعتقد الاميركيون، ان الاقتصاد الروسي هش، وسينهار بسرعة، جراء العقوبات، وقد الزموا الأوروبيين، وملحقات أخرى بنظريتهم الهشة، وقد فشلوا، "لأن الاقتصاد الروسي عمل بكفاءة، والشعب الروسي كرس وحدة الصف.. لقد اعتقدوا أن الدولار سيصبح 200 روبل.. واليوم اتضحت الحملة الدعائية"؟.
الم تؤدي السياسة الأميركية، الى انخفاض سعر الدولار عالميا، ومحليا، وكذلك اليورو الذي خسر أيضا من قيمته امام الدولار، وهاتان العملتان تراجعتا امام الروبل؟.
أكثر من ذلك، الم تفقد الحكومات الغربية قدرتها على تمويل إنفاقها، وقد بات عدد من الشركات الغربية على وشك الإفلاس. لا بل ان مصانع انتاج مركزية في أوروبا توقفت عجلة الإنتاج فيها، بسبب الانصياع الى الغرائز الأميركية القاتلة؟.
كل ذلك سيكون له تداعيات خطيرة ليس فقط على الامن الغذائي، وانما على الاستقرار الأمني ، وستؤدي الأزمات السياسية الداخلية بسبب ارتفاع الأسعار إلى انتفاضات شعبية وانهيار للتحالفات الحاكمة واستقالة الحكومات، وتفاقم الحرب الأهلية الباردة في الولايات المتحدة الأميركية نفسها، حيث تسارع التضخم إلى 8.6% في ايار، وهو أعلى مستوى منذ كانون اول 1981، وارتفعت أسعار البنزين فوق 5 دولارات للغالون لأول مرة في التاريخ..
من غير المشكوك به بانه سيكون شتاء 2022-2023 شتاء قاسيا على أوروبا، لكنه سيكون شديد الحرارة على المستوى السياسي.
فبسبب السياسة الغربية للعقوبات المناهضة لروسيا، أدى تعطيل سلاسل التوريد إلى مشاكل اقتصادية في أمريكا وأوروبا التي تواجه زيادة غير مسبوقة في أسعار الوقود والمواد الغذائية.
وفي هذا السياق، حذَّر الأمين العام للأمم المتحدة من أن الأزمة الراهنة "يمكن أن تستمر سنوات"، وهي "تهدّد عشرات ملايين الناس بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية والمجاعة". قائلا: "إذا لم نطعم الناس، فإننا نؤجّج الصراعات".
وخلص الى "إن الحرب في أوكرانيا ضاعفت العوامل التي ساهمت في أزمة الغذاء العالمية وسرّعت وتيرتها، مشيراً إلى أن هذه العوامل هي: التغيّير المناخي، وجائحة كوفيد-19، واتساع الهوّة بين الدول الغنية وتلك الفقيرة". وهذا الاستنتاج ينسف النظرية الأميركية بان روسيا وراء المجاعة التي ستبدأ بغزو العالم مع نهاية العام الحالي، ويؤكد بان الولايات المتحدة تعمد الى تجويع العالم.
لقد أدركت افريقيا، القارة الغنية، لكنها مفقرة عنوة من الغرب، ابعاد الوحشية الاميركية في عملية تجويع البشرية وهو الامر الذي كان محور حديث
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، اذ بحثا خلالها الأمن الغذائي وتوريد المنتجات الزراعية والأسمدة إلى أفريقيا. وهذا ما يمكن ان تخطو نحوه اي دولة بما فيها الدول العربية تجنبا لشبح الجوع، لا بل يمكنها الاقدام على خطوات اوسع أذ أعلن رئيس الاتحاد الأفريقي ورئيس السنغال، ماكي سال، خلال زيارته لموسكو، أنّ "العقوبات المفروضة على روسيا أدّت إلى حرمان الدول الأفريقية من الحصول على الحبوب والأسمدة، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع في مجال الغذاء". إن "عدم إمكانية الحصول على الأسمدة، يمثّل تهديداً خطيراً للأمن الغذائي في القارة".