هجمة على المنظومة لحماية الطغمة ـ عدنان الساحلي

الجمعة 24 حزيران , 2022 12:17 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام ـ الثبات

يعلم القاصي والداني، ما عدا المكابر وصاحب الغاية، أن مشكلة لبنان هي مشكلة نظام بني على الفساد والطائفية والمحاصصة والزبائية، أكثر مما هي مشكلة أشخاص، فمن يحضر السوق يبيع ويشتري. والحل بتغيير قوانين السوق، لأن تغيير التجار يأتي بمن هم أسوأ منهم. وهذه نتائج الإنتخابات وهمروجة التغييريين أبلغ دليل.
إحدى مفاجآت ما بعد الإنتخابات النيابية، أن بعض الوجوه الجديدة تصرّ على الدفع الفوري لفواتير حضورها البرلماني، في حملة تضليل جديدة تستهدف اللبنانيين، تعمل على حرف انظارهم عن الطغمة السياسية- المالية التي تتحكم بهم وتستغلهم، من خلال تركيز الأصوات المدعومة إعلامياً ومالياً، على توجيه سهامها نحو ما يسمونه "منظومة"، في سعي مفضوح منهم لحماية "طغمة" الفساد والفاسدين؛ وحرف الأنظار عن حقيقة النظام القائم، عبر إغراق الناس في جدالات عقيمة تكررت طوال عمر هذا النظام، منذ أن صنعه الإستعمار الفرنسي على قاعدة طائفية - عنصرية - رأسمالية، دورها المرسوم خدمة مصالح الأجنبي، مقابل حصولها على حمايته، لتستمر في حكم البلاد والعباد ونهب تعبهم وسرقة خيرات وطنهم.
ينسى أصحاب تلك الأصوات "التغييرية" أن اللبنانيين إكتشفوا قبل إعلان نتائج الإنتخابات، أن الفوز الهزيل لمن أسموا انفسهم "ثواراً" في 17 تشرين 2019، ما كان له أن يكون، لولا تبني القوى السياسية والطائفية التقليدية لهم، باعتبارهم أعضاء غير معلنين في قطيعها السياسي والطائفي والحزبي. فكان تجيير الأصوات لهم علنياً، قبل أن يتحول تحركهم إلى جزء لا يتجزأ من حراك صنّاع نيابتهم.
كما يعلم اللبنانيون أن الذين وقفوا على طرفي نقيض في تلك "الثورة" المزعومة، تحالفوا من فوق الطاولة وتحتها، في الإنتخابات وفي ما تلاها من إعادة تكوين "سلطتهم" على اللبنانيين.
شعرت طغمة الفساد المتحكمة برقاب اللبنانيين، المؤلفة من تحالف زعماء الطوائف وأصحاب المصارف، أنها حققت إنجازاً في تمرير مسرحية الإنتخابات النيابية، التي فصل قانونها ليكون متاهة لا توصل اللبنانيين إلى أي مكان، سوى تجديد القديم وتشريع المشكو منه. فبدأت هجمة للدفاع عن هذا  النظام الفاسد البالي، بتوجيه السهام نحو ما تسميه "المنظومة"، قاصدة تحالف حزب الله والتيار العوني، فجريمة الحزب حسب أولوياتها، ليست بحلفائه الفاسدين، أو بمسايرته لهم؛ فهذا آخر هم عند "الثوار التغييريين"، بل مشكلتهم مع الحزب أنه يملك السلاح وعنصر القوة، التي تحمي لبنان وتردع العدوان؛ كما تقطع الطريق على جر لبنان ليكون ضمن المنظومة السعودية، العاملة على إرضاء الأميركي و"الإسرائيلي"، عبر الإعتراف بالكيان الغازي الذي يغتصب فلسطين؛ وعبر إقامة علاقات علنية معه، بعد أن كانت تلك العلاقات ضبابية منذ ما قبل إغتصاب الصهاينة لفلسطين.
كذلك، يتجاهل الحاملون على "المنظومة"، الإتهامات بحق التيار العوني، إن كان لطروحاته الطائفية أو لجهة الفساد وعدم إيجاده حلولاً لمشكلة الكهرباء، على الرغم من تسلمه وزارة الطاقة منذ أكثر من عشر سنوات. ولا يجدون مشكلة لهم معه سوى أنه يتحالف مع المقاومة ويشكل غطاء لسلاحها، مع أن الوزير الأسبق سليمان فرنجية كان واضحاً مؤخراً بالقول أن الحزب لا يحتاج إلى غطاء من أحد.
يكشف "التغييريون" عن أمر العمليات المعطى لهم من سفارة عوكر، التي لم يجرؤوا على رفض طلبها بالحضور اليها؛ ومجالسة الموفد الأميركي-"الإسرائيلي" عاموس هوكشتاين، فما تريده الولايات المتحدة ومن يسير تحت إملاءاتها، ليس المسّ بالنظام اللبناني القائم ولا بطغمة الفساد والفاسدين التي تديره، بل أن ما تريده هو التخلص من سلاح المقاومة والحاق لبنان بطابور الزاحفين على الوجوه لإرضاء "تل أبيب"، بعد أن يقدم لها ما عليه من "هدايا" تبدأ بالتخلي عن جزء كبير من حصته وحقه من النفط والغاز؛ والإنخراط في مشروع مد أنابيب الغاز إلى أوروبا؛ ولا تنته بتوطين اللاجئين الفلسطينيين ودمج النازحين من المعارضة السورية. كل ذلك تحت ضغط حرب التجويع والتطويع التي تشنها الولايات المتحدة على لبنان، بمشاركة وتواطوء الفاسدين من حكامه من رجال السياسة والمال وزعماء الطوائف.
هي مسرحية جديدة تحاكي المسرحيات السابقة، في تناتش طغمة الفساد المالية- السياسية- الطائفية، حول الصلاحيات والأدوار والوظائف والمناصب و"من يحمي الطائفة اكثر". في حين أن رموزها لا يرف لهم جفن أمام مشاهد الجوع والفقر، الذي يضرب السواد الأعظم من اللبنانيين.
هل سمع احدكم أحداً من "الثوار" التغييريين يتحدث عن باخرة التنقيب التي اصبحت باخرتين؟ وهل أثار أحدهم قضية أموال اللبنانيين المنهوبة والمهربة إلى الخارج؟ أم هل نبه احدهم إلى إنقياد الحكومات خلف سراب صندوق النقد، الذي يشترط زيادة الفقراء فقراً، مقابل إغراقنا أكثر فأكثر في وحول الإستدانة؟ وهل تعرض أحدهم بكلمة "لمايسترو" السرقة والنهب والهندسات المالية رياض سلامة؟ أم تراهم لا يشاهدون طوابير الناس تحتشد امام الأفران، طلباً لربطة خبز باتت عزيزة وفوق قدرة الفقير على شرائها؟ أم تراهم لم يعلموا ان ثمن صفيحة البنزين تخطى السبعمائة الف ليرة؟
سكت هؤلاء المضللين أمس وقبله، عندما دخل جنود العدو المدججين بأسلحتهم لساعات، إلى الإرض اللبنانية، فلم يجدوا أحداً يواجههم، لا الجيش المستنزف في مهمات الأمن الداخلي، ولا باقي الأجهزة العسكرية والأمنية، لأنها في الواقع لا تملك القرار بالتصدي؛ ولا السلاح اللازم لمواجهة العدو. وممنوع عليها أن تحصل عليه. فيما يطعن المشبوهون بسلاح المقاومة، لأنه الوحيد القادر على ردع العدو "الإسرائيلي".
ما نراه هو شدّ عصب سياسي لأهداف يطلبها الخارج قبل الداخل، لحرف انظار اللبنانيين عن جريمة ترميم هذا النظام البالي؛ وحل مشكلاته على حساب الفقراء والمعدمين. فدائماً كان الهدف هو الإبقاء على صيغة التحالف بين زعماء الطوائف (وهم تحديداً الإقطاع السياسي والعائلي القديم والجديد، والمؤسسات الطائفية) وأصحاب المصارف (الرأسماليون المرتبطون بالإقتصاد العالمي). والذين دخلوا السلطة كمنتفضين على الإقطاع القديم والجديد، يعملون بتفان وإخلاص في خدمة هذا التحالف، تهرباً منهم من ضرورة إجراء إصلاح حقيقي لهذا النظام، الذي يرتكب جرائم موصوفة يومياً بحق الللبنانيين.


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل