أقلام الثبات
خلال الأسابيع القليلة التي تلَت الإنتخابات النيابية، تظهَّرت مواقف سياسية لبنانية من العيار الثقيل، بعضها جاء على خلفية نتائج الإنتخابات، وبعضها الآخر نقل السجالات الداخلية من البر الى البحر حيث حقل كاريش، إستباقاً لوصول آموس هوكشتاين المبعوث الأميركي لشؤون المفاوضات غير المباشرة بين لبنان والعدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية، وهذه المواقف على أهميتها طغَت حتى على نتائج زيارة هوكشتاين، لأنها ثبَّتت الإجماع اللبناني على شخص رئيس الدولة، المخوَّل دون سواه إعطاء إجابة لبنان على المقترحات الأميركية.
ولعل تصريح البطريرك الراعي الذي شاءه مواكباً لأجواء الإنتخابات، بعدم ضرورة وصول رئيس قوي الى بعبدا، اعتبره البعض أنه كما كل التصريحات التي أدمنها الراعي في عظات الأحد من باب تسجيل المواقف، وتلا هذا التصريح، رفض من النائب جبران باسيل لمقاربة الراعي، ولم يتنبَّه الكثيرون ربما، أن تأتي كلمة للسيد حسن نصرالله، لتنسف الكثير من الرهانات حول الخلافات اللبنانية الداخلية، الخلافات التي تمددت من درج ساحة النجمة التي بدَّلت الكثير من نجومها الى حيث حقل كاريش، والسيناريوهات التي وُضِعَت لجواب لبنان فور وصول المبعوث الأميركي.
نعم، في الوقت الذي "طيَّف" البعض صلاحيات مواجهة إسرائيل وهوكشتاين سياسياً في مسألة البتّ بالقرار اللبناني، وضياع الناس بين الخط 23 والخط 29، وبين حقل كاريش وحقل قانا، حَسَم السيد نصرالله كل جدل في هذا الموضوع، كونه المؤتمن على إحدى ركائز المعادلة الثلاثية، وأبدى رأيه القاطع بمواصفات الرئيس ميشال عون، وصلابته وثباته، الى جانب أنه المخوَّل دستورياً البت بالمفاوضات والإتفاقيات الدولية، وخلط السيِّد كعادته أوراق الخائبين، خصوصاً أولئك الذين خاضوا الإنتخابات النيابية تحت لواء الشعارات الكلامية، والدولارات السخيَّة، ورمي الحرام على مَن هُم الضمانة لسيادة لبنان من شماله الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه وما بعد بعد غربه في المياه الإقليمية وصولاً الى حقل كاريش.
نعم، باتت زيارة هوكشتاين،على أهميتها، تفصيل، بالمقارنة مع إنسجام المواقف اللبنانية وتراصفها خلف الرئيس عون، خصوصاً موقفيّ رئيس مجلس النواب ورئيس حكومة تصريف الأعمال، وتصريحيّ قائد الجيش والمدير العام للأمن العام حول التزام قرار السلطة السياسية. والجواب الذي أخذه هوكشتاين حصراً من رئيس الدولة ميشال عون، هو جواب لبناني شامل وجامع وواضح ولا يحتمل التأويل، وبصرف النظر عن مسار المفاوضات مع العدو، فإن الوحدة الداخلية حول حقوق لبنان في ملف النزاع مع "إسرائيل"، أسَّس لها موقف السيِّد نصرالله من خلال تجديد ثقته بسيِّد قصر بعبدا في موضوع الترسيم من جهة، ومن جهة أخرى، ترسَّمت تلقائياً حدود بعبدا والطريق الى بعبدا، ومعها ارتسمت مواصفات ساكن بعبدا القادم الذي يستحق أن يحمل كما حمل ميشال عون مواصفات رئيس الدولة، عشيَّة الإنتخابات الرئاسية.
كل ما تقدَّم من مواقف، اختتمها النائب والوزير السابق سليمان فرنجية بكلمة جاءت صاعقة، خلال إحياء قداس عن أرواح شهداء مجزرة إهدن منذ أيام، وبمقدار ما أن البعض اعتبر كلمة فرنجية بيان ترشيح للرئاسة، بمقدار ما اعتبرها البعض الآخر تحديداً لمواصفات أي رئيس قادم، وهي فعلاً قد حُدِّدت ورُسِّمَت، وفرنجية كان واضحاً بإعلانه، أن لبنان لن يحميه مَن يزعم الحرص على أمن المجتمع المسيحي، بل مَن هو حريص على أمن المجتمع اللبناني، وعلى كل لبيبٍ أن يفهم...