أقلام الثبات
حزيران 1978 وحزيران 1987، في الأولى جريمة بحق الورد والطفولة وفي الثانية جريمة بحق الحكمة..
الجريمة الأولى في 13 حزيران: رصاصات أفرغت بالطفولة والبراءة أهدرت دم ابنة الثلاثة سنوات جيهان فرنجية ووالديها.
الجريمة الثانية: اغتيال رجل الدولة والحكمة الرئيس الشهيد رشيد كرامي في الأول من حزيران 1987.
في دروس الجريمة تبقى الأسئلة..
من يلجم هذا الرجل عن مغامراته وشعاراته ووعوده التي لم تصدق مرة، ولم يجلب إلى "مجتمعه" وإلى أي مكان حل فيه إلَّا الخراب والموت والدم.. والهزيمة، كما أنه لم يخلص مرة إلى حليف أو رفيق، تعاقد معه، حتى سيده ورئيسه وزعيمه بشير الجميل الذي يتحدث إلى الصحافية اليهودية بربارة نيومن عن كيفية اغتيال الوزير والنائب الراحل طوني سليمان فرنجية وعقيلته وطفلته ابنة الثلاث سنوات وخادمته وحراسه، والذي ورد في كتابها "حب وموت في بيروت ص 149-150" حيث يقول: "ما فعله رجالنا بفرنجية كان خطأ... كان لدينا مشاكلنا مع المجموعة التي قامت بالعملية أنهم قوة مستقلة، وأكثر ولاء لقائدهم سمير جعجع".
وحينما سألته بربارة: "هل طردت قائدهم؟"
أجاب بشير: "أصيب جعجع بجرح في بداية العملية، كانت مخابراتنا سيئة، وفشل كل شيء" مضيفاً: "لدينا مشكلة في التحكم به، ولكن لا أستطيع طرده، نحن بحاجة إليه ولرجاله".
ورداً على سؤالها لبشير: "لماذا يظن الإسرائيليون أنك أنت فعلت ذلك؟"
أجاب: "لأنهم أعطوني الضوء الأخضر للقيام بذلك".
في مقتلة إهدن أصيب سمير جعجع في يده، ولقد صدم بشير الجميل حين علم بنبأ مقتل أسرة طوني فرنجية، لكنه بقي متضامناً مع رجاله، أما جعجع فقد بقي لبضعة أيام مختبئاً في مستشفى أوتيل ديو، ثم نقل سراً إلى مؤسسة استشفائية في نانسي في فرنسا، ومن ثم إلى اسرائيل.. (آلان مينارغ، أسرار حرب لبنان ص47).
تعددت الشعارات التي أطلقها سمير جعجع، ولم يتحقق منها شيء، ولم يصدق منها واحدة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، "حالات حتماً" أي إنشاء مطار على اوتوستراد حالات، الذي استقبل فعلاً في الأول من حزيران عام 1987 الطوافة العسكرية رقم 906 التي كانت تقل الرئيس الشهيد رشيد كرامي من طرابلس إلى بيروت، ففجرت بواسطة الريموت كونترول.. وطبعاً كان المتهم الأول في هذه الجريمة، أحد أكبر أمراء الحرب في لبنان وهو سمير جعجع الذي حكم بالإعدام وأبدل بالسجن المؤبد.
ومن شعارات "حكيم القوات" في زمن مضى، كان "أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار" فكان أن تسبب بأوسع عمليات القتل بحق المسيحيين، ومنها كما ورد في العديد من وسائل الإعلام والمواقع، قتل:
- ابن رئيس لبنان كميل شمعون، داني شمعون مع زوجته وطفليه، جوليان وطارق، ويكر حبل القتل ...
ببساطة لم تكن "حالات حتما" شعارا أو محطة سياسية عابرة في تاريخ القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع، بل هي قاعدة ثابتة ومنهجية تفكير تفسر السلوكيات السياسية المتطرفة لرئيس القوات، التي تَحَمل تَبِعاتها المجتمع المسيحي برمته. لطالما جَرَّت خيارات سمير جعجع الويلات على المسيحيين في لبنان، فـ "جعجع وشقّ الصف المسيحي" لازمتان لا تفترقان منذ مجزرة اهدن إلى الصفرا إلى استهداف الجيش اللبناني مع ما يمثله بالنسبة إلى المسيحيين، إلى غيرها من الارتكابات والخيارات السياسية التي مازالت تحفر عميقاً في الوجدان المسيحي، وما زال المسيحيون خصوصاً، واللبنانيون عموماً يدفعون ثمنها حتى اليوم.