أقلام الثبات
عندما إنطلق المقاومون اللبنانيون، على مختلف مشاربهم السياسية، لمواجهة العدو "الإسرائيلي"، خلال إجتياحه للبنان ودخوله العاصمة بيروت عام 1982، لم يستشيروا العميل سعد الحداد قائد جيش التعامل مع العدو؛ ولا خليفته أنطوان لحد، مع أنهما ضابطان لبنانيان كانا يتلقيان رواتبهما مع جنودهما من مالية الدولة اللبنانية.
كذلك، لم يستشر المقاومون الرئيس المنتخب بشير الجميّل، الذي ما كان له أن يكون رئيساً لولا وجود الدبابات "الإسرائيلية"، التي تولت حماية عملية إنتخابه في المدرسة الحربية في الفياضية. وهي التي وسعت إجتياحها للبنان من خط نهر الليطاني إلى بيروت، لتعمل على إيصاله إلى موقع الرئاسة والدخول إلى قصر بعبدا.
لكن، لأن المقاومة ضد المحتل والمعتدي حق وواجب، فإن اعمال المقاومة انطلقت وإجبرت العدو على التراجع والإنسحاب من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة، على الرغم من إعتراضات الذين رحبوا بالمحتل؛ ومثلهم الذين دخلوا فلسطين المحتلة، بعضهم للسياحة والبعض الآخر لتعلم لغة العدو؛ وآخرون دخلوا للتدرب على السلاح على أيدي جنود العدو، ليكونوا ظهيرا لهم في الداخل اللبناني. لكن قافلة المقاومة سارت وما تزال ترعب العدو وتكبح عدوانيته وتلجم أطماعه؛ وآخرها تغوله على حقوق لبنان في مياهه الأقليمية، مع ما في عمقها من ثروات نفطية وغازية بات وجودها مؤكداً، بعد أن عمد هذا العدو إلى استقدام الباخرة انرجين باور لتقوم بالحفر واستخراج الغاز من الحقل المشترك "كاريش"، بعد أن باتت أميركا وأوروبا بأمس الحاجة إلى غاز البحر المتوسط، لأن عداءها لروسيا وتآمرها عليها في خاصرتها الأوكرانية، عطل وصول الغاز الروسي إلى مستهلكيه الأوروبيين.
بيت قصيد اللبنانيين هذه الأيام، هو تلكوء المعنيين في الحكومة ورأس الدولة عن تعديل المرسوم 6433، الذي كان يجب أن يعدّل، ليدخل لبنان المفاوضات غير المباشرة متمسكاً بحقوقه وليس متنازلاً مسبقاً عنها.
فالخط 23 حسب رأي رئيس الوفد التقني العسكري المفاوض، حول الحدود البحرية الجنوبية، العميد الركن بسام ياسين، وضعته "إسرائيل" بتاريخ 1/3/2009 لحماية ما تعتبره بلوكاتها النفطية. ومن ثم اعتمده لبنان خطأ في العام 2010 وأبلغه الى الأمم المتحدة. وأن هذا الخط (23) غير قانوني وساقط بالأساس، كونه لا يستند الى أي وثيقة ترسيم دولية. وان أكبر جريمة ترتكب بحق لبنان، هي التمسك به، لان ذلك يعني التمسك بالترسيم "الإسرائيلي" اللاقانوني واللاشرعي. كما ان التنازل عن الخط 29 خيانة عظمى، يتحمل مسؤوليتها المتنازلون عنه. فالدولة اللبنانية من رأس الهرم الى قاعدته مطالبة باتخاذ موقف وطني جريء، يضمن حقوق لبنان النفطية ضمن مياهه الإقليمية والدولية، ضمن الخط 29، المنطلق من صخرة الناقورة، التي يحتلها العدو. وبالتالي الزام الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين والمفاوض "الإسرائيلي"، على القبول بالشروط اللبنانية وليس فرض شروط الكيان "الإسرائيلي". فتلك الصخرة، قام الاحتلال بتكسير وتخريب العلامة التي تثبت عليها نقطة الحدود بين فلسطين ولبنان. ونقل أجزاء من هذا الحائط الصخريّ نحو ٢٥ متراً شمالاً.
وحسب بعض الخبراء، فإن حقوق لبنان في المنطقة الاقتصادية الخالصة، هي اكبر بكثير مما يتم تداوله. لأن اعتماد الطريقة التي احتسبت فيها كل من سورية وقبرص ومصر والكيان المحتل لفلسطين وغزة، تعطي لبنان مساحة تزيد عن ال 17 الف كيلومتر مربع التي حددت له، لتصل الى ما بين 26 ألف الى 35 ألف كيلومتر مربع. وبالتالي تصبح المساحة التي يجب ان يطالب بها لبنان ليس 1430 كيلومترا مربعا، بل 2500 كيلومترا مربعا.
في المقابل، يريد الوسيط الأميركي اليهودي الصهيوني، الحامل للجنسية "الإسرائيلية" هوكشتاين، فرض تقاسم الموارد بين لبنان وكيان العدو والتشارك فيها؛ وليس الترسيم الذي يريده لبنان حقاً له وواجباً سيادياً.
يذكر أن هوكشتاين كان عرض في آخر زيارة له ما عرف بـ "الخطّ المتعرج"، الذي ينص على منح لبنان مساحة تقارب الـ 860 كلم مربعاً، أو أقل بقليل، مقابل منحه "حقل قانا" كاملاً. على أن تحصل "إسرائيل" على حقل "كاريش". لكن الوفد العسكري التقني اللبناني المفاوض، اعتبر أن للبنان حصّة في "كاريش" تتخطى الثلث. وهو أمر ترفضه "إسرائيل" بشكل كامل. فهل يكون موقف المعنيين اللبنانيين "لبنانياً" يحمي مصالح وحقوق لبنان، أم يكون موقفهم أكثر حرصاً على إرضاء الأميركي و"الإسرائيلي" على حساب مصلحة لبنان؟
من هنا يأتي خطاب أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، أمس، ليضع حداً لحجج المتلكئين، فهو وجه للعدو رسالة تهديد واضحة: "المقاومة لا تستطيع ان تقف مكتوفة الأيدي أمام نهب ثروات لبنان. ولن تقف مكتوفة الأيدي. وكل الخيارات مفتوحة وموجودة على الطاولة. والمقاومة قادرة عسكريا على منع العدو من استخراج النفط والغاز". وخاطب العدو والشركة اليونانية صاحبة سفينة التنقيب بقوله: "إسحبوا السفينة". وحمل الشركة مسؤولية ما قد يصيبها. مؤكداً أن المقاومة ليست طرفا في التفاوض ولن تكون.
والآن وبعد الإعلان عن تجاوب الوسيط الأميركي مع الدعوة اللبنانية للعودة إلى وساطته، فإن لبنان في موقف ضعيف، ما لم يبلغ الأمم المتحدة بتمسكه بالخط 29، خصوصاً مع ذهاب "إسرائيل" إلى فرض أمر واقع جديد، يتعلق ببدء عمليات الحفر والاستعداد لعمليات استخراج الغاز من حقل "كاريش" خلال ثلاثة أشهر. أما قول العدو أنه لن ينقب في المناطق المشتركة، فهو خداع لتقطيع الوقت وفرض أمر واقع. فهل يتجاوز الرؤوساء والمعنيون مصالحهم وخلافاتهم ويعلنون موقفاً موحداً يحفظ حقوق لبنان، أم يقدمون خدمة مجانية للعدو، بتركه يستغل مرور الوقت ليفرض مشيئته ويحقق مصالحه وفق أطماعه. وهذا الأمر لن يسجل عليهم إلا باعتباره خيانة وطنية بكل الحسابات.