أقلام الثبات
كفى حسب اعتقادنا تحميل الشعب اللبناني هموماً وهمية، عبر هذا الكمّ من التصريحات والتغريدات حول حربٍ مع العدو الإسرائيلي، على خلفية ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وسط اعتراف القادة السياسيين والعسكريين في الكيان الصهيوني وآخرهم وزير الدفاع، أن أزمة حقل كاريش مع لبنان سوف يتمّ حلُّها عبر المفاوضات الديبلوماسية بوساطة أميركية، وما قدوم السفينة اليونانية الى جنوب ذلك الحقل بعيداً عن الجزء المُتنازع عليه، سوى للضغط باتجاه عودة مفاوضات الترسيم برعاية المحروس الأميركي هوكشتين، وليطمئن اللبنانيون أن نفحة غازٍ لن تؤخذ من الجانب اللبناني تحت طائلة حرب إقليمية تُدمِّر على الأقل مساحة 1200 كلم مربع من المنطقة الوسطى التي تقوم عليها المنشآت الحيوية لكيان العدو، ولهذه الأسباب حصراً فإن أية حربٍ مع لبنان لن تحصل.
وكفى إشغال المواطن اللبناني بالخطأ التقني الذي ارتكبته حكومة السنيورة خلال الترسيم مع قبرص عام 2007، والمرسوم 6433 الذي أصدرته حكومة الميقاتي عام 2011، والفارق بين الخط 23 والخط 29، وحقل كاريش للصهاينة وحقل قانا لنا، وآخر المطاف إلقاء اللوم على الرئيس ميشال عون الذي ينتظر تعديلات على ذلك المرسوم من الحكومة، فيما استقر الرأي بين رئيسي الجمهورية والحكومة على أن التعديل ليس من مصلحة لبنان خلال مرحلة التفاوض، والخلاصة، أن الناس لا تعنيها كل هذه التفاصيل الأشبه بشراء السمك في البحر، وإذا كان هناك من خطأ قد ارتُكِب، فهو أن لبنان كان يجب أن يستقدم شركات روسية أو إيرانية لإستخراج الغاز من حقول داخلية غير مُتنازع عليها، تضع حداً للمراوغة السياسية الدولية التي تسبَّبت برحيل شركة توتال، ومن مبدأ "عليَّ وعلى أعدائي"، لكن لبنان المُنهك إقتصادياً وسياسياً ليس لديه حالياً هذا الهامش من الخيارات.
ولأن شعبنا المقهور معيشياً، من حقه الحُلم باستخراج الغاز والنفط من بحره، بالتزامن مع طموحات العدو في الإستخراج، فإن هذا الشعب يجب أن يكون مطمئناً لمبدئية "التزامن"، بفضل قدرات المعادلة الذهبية للشعب والجيش والمقاومة، التي وحدها الكفيلة بضمان حقوق اللبنانيين على امتداد خارطة الوطن المٌحرَّر، لكن السيادة ليست شعاراً، وهي ليست كلمةً تلُوك بها ألسن التبعيين التابعين، بل هي قدرة فعلٍ على الأرض، سواء كان الجيش اللبناني يقوم بواجبه في حي الشراونة أو عبر المعادلة الذهبية في مواجهة ما يحصل حول حقل كاريش.
ندخل هنا في بيت القصيد لنقول: المساعدات الممنوعة على الجيش اللبناني لمواجهة إسرائيل، لديه ما يعوِّض عنها ضمن المعادلة، أما تلك التي تأتيه على شكل عتاد بسيط، قد تكون ذات فائدة في حي الشراونة أو سواه، وهناك يخوض هذا الجيش بالنيابة عن قوى الأمن الداخلي معارك حاسمة ضدّ مافيات المخدرات والسرقة والجريمة، لتثبيت هيبة الدولة في منطقة تُعاني منذ عقود من غياب السلطة، والأمور فيها خرجت نهائياً عن السيطرة، نتيجة وجود مجرمين من "النخب الأول" في زراعة وصناعة وتجارة المخدرات، لدرجة أن عصابات التهريب لكل أنواع المخدرات بما فيها الكبتاغون، تسببت بأزمات سياسية وإقتصادية للبنان مع الدول المجاورة، وبات شخص مثل "ابو سلِّة"، سبباً رئيسياً لحرمان المزارعين اللبنانيين من تصدير "سلَّة عنب"، نتيجة الشبهات التي تسبب بها هؤلاء المجرمون لسمعة الصادرات اللبنانية، ولذلك، لا تقلّ العمليات التي يقوم بها الجيش لبسط السيادة في حي الشراونة أهمية، عن المطلوب منه لو حصل طارىء يمسُّ السيادة في حقل كاريش.
ختاماً، الى الذين جعلوا من ألسنتهم أسلحةً حاقدة على السلاح خلال موسم الإنتخابات الماضية، وهُم الآن في حالة سجود لقدسية هذا السلاح في موضوع حقل كاريش، نقول: هذا السلاح الشريف الذي يأبى حاملوه استخدامه في الداخل، لا دور له لا في حي الشراونة ولا في أي شارعٍ داخلي لبناني، وعسى أن يفهموا وللمرة الأخيرة، أنه لن يُوجَّه لغير البوصلة المحددة له، ولولاه، لا ضمانة لنا في حقوقنا، وما كانت لدينا جرأة المُطالبة بالسيادة، لا في البر ولا الجو ولا البحر، ولا حماية لقطرة نفط أو غاز، من أول حقلٍ في شمال لبنان وصولاً الى حقل كاريش...