أقلام الثبات
ينتظر اللبنانيون صدور النتائج النهائية للانتخابات النيابية، حيث تتقاسم القوى السياسية غالبية المقاعد النيابية، بينما استطاعت قوى الثورة أن تحقق بعض الاختراقات لكنها ليست كافية للتغيير الجذري في لبنان، وهنا، يبرز التساؤل: لماذا لم تستطع ثورة لبنان النجاح كما ثورة مصر وأوكرانيا على سبيل المثال؟
في كل الثورات في العالم، تشكّل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفساد وغياب المحاسبة والشفافية عوامل تؤدي الى انفجار اجتماعي يتجلى في تظاهرات وإضرابات، وتتراكم لتصبح ثورة من المفترض أن تطيح بالسلطة وتأتي بأخرى.
لا تنفصل العوامل الداخلية عن العوامل الخارجية التي تدعم الثورة أو تطيح بها في مهدها، فإما أن يكون هناك دعم وتشجيع للثورة من الخارج فتحظى بمساعدة إقليمية ودولية، أو يكون الخارج ضدها فيساهم مع السلطة في "ضبط الاستقرار".
وكما كل الثورات الأخرى، لا تنفصل ثورة لبنان في 17 تشرين الأول 2019، عن السياق العام للثورات، حيث تراكمت العوامل الداخلية، وترافقت مع دعم أميركي وغربي واقليمي لقوى الثورة، وانخرطت الأحزاب في الثورة كما يحصل في الثورات عامة. لكن بعكس العديد من الثورات الأخرى التي دعمها الخارج ونجحت في الاطاحة بالسلطة، لم تستطع ثورة لبنان أن تحقق الاهداف المفترض بها أن تحققها.
الأكيد أن هناك العديد من العوامل الداخلية التي أعاقت نجاح الثورة في لبنان، لكن في إطار الدعم الخارجي،إن مراجعة الثورات التي دعمتها الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن ما افتقدت له ثورة لبنان بينما نجحت الأخرى هي:
- دور الجيش:
يستشف من العديد من الثورات أو حراك التغيير في العالم ومنها في مصر، أن الجيش عادة ما يكون هو المحرك للتغيير فإما يمنعه أو يساهم فيه. سواء في الثورة الأولى في مصر، التي دعمها الأميركيون، والتي استطاع الاخوان أن يسيطروا عليها وحوّلوها لصالحهم، أو في الثورة الثانية التي أطاحت بالأخوان وأتت بالسيسي رئيسًا (وقفت السفيرة الأميركية ضد الثورة الثانية الى آخر لحظة)، كان الجيش المصري اللاعب الأقوى في التغيير في مصر.
عملياً، لا قدرة ولا إمكانية للجيش اللبناني للعب دور من هذا النوع. قوة الجيش اللبناني مستمدة من بقائه على الحياد والمحافظة على وحدته في ظروف مصيرية وأحداث كبرى، كثورة 17 تشرين وسواها.
- بالرغم من أن العديد من مواقع الثورة في لبنان وناشطيها، سوّقوا إمكانية تحقيق النجاح في لبنان أسوة بما حصل في أوكرانيا عام 2014، إلا أن ثورة لبنان لم تستطع تقليد ثورة أوكرانيا عام 2014، حيث قام اليمين المتطرف القومي في أوكرانيا بحمل السلاح في مواجهة أخصامه وقام بانقلاب عسكري أطاح فيه بالرئيس الاوكراني تحت مسمى الثورة.
لم يكن ممكناً تسليح الثوار في لبنان، بسبب فائض ميزان القوى العسكري غير المتكافئ في لبنان، بالاضافة الى أن وجود السلاح والاتجاه الى الاقتتال، كان سيدفع اللبنانيين الى نبذ الثورة وكل ما يمت لها بصلة، إذ لم ينسَ اللبنانيون مشاهد الحرب الاهلية بعد، والغالبية غير مستعدة لزجّ أبنائها في معارك شوارع واقتتال أهلي مهما كانت الاسباب.