أقلام الثبات
على مسافة 19 يوماً من موعد فتح صناديق الاقتراع أمام الناخبين اللبنانيين، أعلن السفيران السعودي وليد البخاري والفرنسية آن غريو، التي تأسر بلادها المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبد الله منذ أكثر من ثلاثين عاماً، عن توقيع "مذكرة التفاهم الإطارية للصندوق السعودي ـ الفرنسي لدعم الشعب اللبناني" بقيمة 30 مليون يورو، من دون أي تدخل للدولة اللبنانية فيها.
وكما أشير في الإعلان، فإن الدعم المشترك السعودي ـ الفرنسي سيركز على ست قطاعات رئيسية هي: "الأمن الغذائي، الصحة، التعليم، الطاقة والمياه، والأمن الداخلي".
وتبعاً لتوصيف السفارة الفرنسية فإن هذا الدعم، هو للسكان المستضعفين في لبنان، وتلبية احتياجاتهم الأكثر إلحاحاً في قطاعي الصحة والأمن الغذائي، وتقديم المعونة الطارئة التي تشمل تقديم الغذاء إلى الفئات المحرومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف ومن سيحدد، الفئات المحروقة أو الأكثر فقراً، ووفق أي وسيلة؟
وهل من جمعيات معنية ستتولى هذا الأمر وما هي مهمتها؟
وذلك يذكرنا بمئات الجمعيات التي فرّخت مع بداية النزوح السوري، وما تدفق عليها من أموال ومساعدات من "السند والهند" تحت عنوان "مساعدة النازحين" وصب معظمه في جيوب أصحاب هذه الجمعيات.
كما يحضرنا الإعلان الأميركي عن المساعدات التي قدمتها للبنان وفق شهادة لجيفري فيلتمان في 2008، تقدم الولايات المتحدة المساعدة والدعم في لبنان الى مؤسساته التي تعمل على إيجاد بدائل للتطرف، وتقليل جاذبية حزب الله لشباب لبنان، وتمكين الناس من خلال احترام أكبر لحقوقهم وزيادة فرص الوصول إلى الفرص. من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)، مؤكداً أنه "ساهمنا بأكثر من 500 مليون دولار في هذا الجهد منذ عام 2006. وتمثل برامج المساعدة القوية هذه جانبًا واحدًا من دعمنا الثابت. منذ عام 2006، تجاوز إجمالي مساعداتنا للبنان المليار دولار".
في هذا المقتطف هناك تصريح واضح من قبل جفري فيلتمان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، والذي شغل قبلها منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في لبنان خلال الفترة ما بين 2004 و2008. بأن الولايات المتحدة الأميركية تدعم "المجتمع المدني" ومنظماته بهدف:
1. محاربة سلاح حزب الله الذي تصفه بالتطرف
2. تشويه صورة حزب الله لمنع الشاب اللبناني من المدافعة أو حتى تقبُّل سلاح حزب الله بل تسعى الى جذب هذا الشاب نحو الفكر الأميركي لتهيئته وإعداده لتقبل فكرة العيش بسلام مع الجار "الإسرائيلي" ونزع سلاح المقاومة.
3. زيادة فرص الوصول الى الفرص والمقصود به أن أي شاب لبناني لم يؤيّد الفكر الأميركي ستتعرقل فرصه بالوصول الى الفرص الحقيقة في المجال العلمي وميدان العمل والسفر و...وهذا ما تم تطبيقه فعلًا في لبنان لزيادة الشرخ بين الشعب اللبناني.
وفي انتخابات 2009 كشفت صحيفة النيوزويك في مقال لكريستوفر ديكي عن حجم التدخل السعودي في الانتخابات، والذي تجاوز 750 مليون دولار، لدعم تحالف 14 آذار، ويصف ديكي حجم المال السعودي في انتخابات 2009، بأنه فاق انفاق الرئيس الأميركي باراك أوباما على حملته الانتخابية.
وبعد انتخابات 2018 ثمة اعتراف أميركي بمساعدات للبنان بقيمة عشرة مليار دولار، ملياران منها فقط لدعم المؤسسات الأمنية والجيش والباقي كان لما يسمى المجتمع المدني، وكثير من أعمال ورشاوى أميركية وخليجية لتغيير الواقع السياسي في لبنان، لكن هذه المرة وصل إلى حد الإعلان عن دفع أموال خارج أي تنسيق مع مؤسسات وأجهزة الدولة، وبالتالي ثمة أسئلة كثيرة تطرح هنا:
كيف سيتم توزيع مبلغ 30 مليون يورو، وعبر أي جميعات، وما هي مهمتها؟
لمن ستصل هذه الأموال وما هي وجهة هذه الأموال التي لن تمر عبر أي أبسط أنواع التنسيق عبر الدولة؟
المثير في الأمر أن هذه الأموال ستصرف، دون أي دور لأي مؤسسة أو أي جهاز من أجهزة الدولة، فهل ستقدم السفارة الفرنسية والسفارة السعودية للمواطنين اللبنانين كشفاً عن كيفية توزيع هذه الأموال؟
الجدير بالذكر، أن البنك الدولي قرر تعليق قروض مالية للطاقة بسبب عدم وجود جدوى سياسية، وهنا ما هو دول مبلغ ال 30 مليون يورو السعودي ـ الفرنسي، وما هو جدواها؟
إنه ببساطة مبلغ قادر على تغيير معادلات انتخابية في عدد من الدوائر، ويبدو أن لا مهمة لهذا "الدعم" غير ذلك؟