أقلام الثبات
إنقلاب جذري في مسار العمليّات العسكريّة الرّوسية في اوكرانيا بدا واضحا في خضمّ المرحلة الثانية من هذه العمليات، خصوصا بعد حادثة غرق الطرّاد الروسي "موسكفا"، والذي يتبيّن انه أسّس لمرحلة جديدة ومختلفة في المواجهة الدائرة بالوكالة بين روسيا و"النّاتو" على الأرض الأوكرانيّة، بعدما صوّبت عشرات التقارير وتحليلات خبراء عسكريّين، نحو وقوف الولايات المتحدة وبريطانيا خلف استهداف "عماد" السّفن الحربيّة الروسيّة في البحر الأسود. وبالتالي، فإنّ الضّربة –التي اعتبرها التلفزيون الرّسمي الرّوسي "بداية الحرب العالميّة الثالثة"، لم تستهدف الطرّاد الروسي، بل طالت "هيبة" روسيا، وعليه، برز الزّخم العسكري الرّوسي غير مسبوق، عبر ضرب آلاف الأهداف العسكريّة الأوكرانيّة في وقت قياسي، وإعادة العاصمة كييف الى واجهة الضربات الصّاروخيّة، تزامنا مع إسقاط الدفاعات الجوية الرّوسيّة لطائرة شحن عسكرية اوكرانيّة في اجواء مدينة اوديسا محمّلة بشحنة ضخمة من الأسلحة الغربية، قبل تسديد ضربة اخرى في مرمى "الناتو" عبر تدمير مستودعات يتمّ فيها تكديس الأسلحة الأجنبية قرب منطقة لفيف الحدودية مع بولندا.. وسط تواتر معلومات صحافيّة روسيّة، ألمحت- نقلا عن مصدرّين عسكريَّين روسيّيَن، الى ترجيح حدث عسكريّ وشيك يمثّل "صدمة" غير متوقعة في أروقة دُوَل "الناتو" !
ومع دخول معركة ماريوبل الإستراتيجيّة فصلها الأخير، باتت الأنظار موجّهة الى مصنع "ازوفستال"- "كنز النّاتو" في المدينة، وحيث باتت التقارير ومعلومات خبراء عسكريين روس تشير الى قرب الإطباق عليه، خصوصا مع اعلان الرئيس الشّيشاني رمضان قديروف، قرب تطهيره..
ازوفستال الذي بدا عصيّا في وجه الضربات الصاروخية الروسية، ربطا بتحصّنه الشديد وإنشاءات الحماية الضخمة حوله، والذي يطفو على طوابق وشبكة انفاق محصّنة تحت الأرض تضمّ نُخَبا من عشرات ضبّاط " الناتو".. "هي مدينة تحت الأرض في مصنع ازوفستال"-وفق اشارة ادوارد باسورين، المتحدّث باسم قوّات دونيتسك، مضيفا "انّ مبانيه مصمّمة لضربات نووية ما يصعّب عمليّة اقتحامه"..
من هنا، يبدو مبرّرا "صراخ" واشنطن والناتو من عمليّات السيطرة الروسية على ماريوبل، وإيلاء موسكو في المقابل اهتماما بالغا في الإطباق على هذا "الكنز" الثمين، وإحباطها محاولات تهريب عدد من ضباط "الناتو" داخله، وهو ما اطاح برأس مدير المخابرات الفرنسيّة الجنرال اريك فيدو.. في وقت كشف موقع "لوبينيون" الفرنسي-" نقلا عن مصدر في وزارة الجيوش"، انّ الرئيس فلاديمير بوتين رفض عرضا "مغريا" قدّمه له نظيره الفرنسي اكثر من مرّة، مقابل تأمين اجلاء "قوّات داخل ازوفستال"، واوضح الموقع" انّ إطباق موسكو على هذا المصنع سيشكّل صفعة غير مسبوقة للولايات المتحدة وحلفها الغربيّ".
وفي مقابل التحذير الروسيّ بجعل القوافل الغربية التي تحمل اسلحة الى اوكرانيا هدفا مشروعا للجيش الرّوسي على الأراضي الأوكرانيّة، كما بإعلان تكثيف الضّربات الصّاروخيّة على كييف ومراكز صنع القرار فيها، والذي أُلحق بتحذير ناري أخر وصل الى واشنطن على متن رسالة روسيّة حادّة-بحسب ما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، والتي قالت إنها اطّلعت على مذكّرة دبلوماسيّة ارسلتها موسكو الى واشنطن حذّرتها فيها من مغبّة الإستمرار في تسليح اوكرانيا، لأنه سيؤدي الى عواقب لا يمكن التنبؤ بها فيما يبدو انه تهديد مبطّن- وفق اشارة الصحيفة..
الا انّ الولايات المتحدة أدارت ظهرها للتحذير الرّوسي، "وبدأت وحلفاؤها في "الناتو" بتكثيف تسليم أسلحة "من العيار الثقيل" الى اوكرانيا- وفق اشارة صحيفة "فورين بوليسي" الأميركية.. ليصبح السؤال" في حال استمرّت واشنطن والناتو في شحن الأسلحة الى اوكرانيا، ونفّذت موسكو تهديدها، هل تتوسع المواجهة بين الجانبين الى خارج الحدود الأوكرانيّة"؟ خصوصا مع عزم ضمّ فنلندا والسويد الى الناتو، " والذي سيخلق واقعا استراتيجيّا جديدا تماما لروسيا، وسيشكّل تهديدا خطيرا للأمن القومي الرّوسي"- وفق اشارة الباحث السياسي الروسي ورئيس تحرير مجلّة الدّفاع الوطني ايغور كوروتشينكو، مُبيّنا انّ الكرملين سيقابل هذه الخطوة بنشر اسلحة نوويّة تكتيكيّة في المنطقة العسكريّة الغربية ولدى اسطول البلطيق تستهدف السويد وفنلندا.
صحيفة "اندبندنت" البريطانيّة ذكرت - نقلا عن الجنرال ريتشارد بارونز، القائد السابق لقيادة القوات المشتركة البريطانية، انّ "الناتو يسعى لتجنّب الحرب المباشرة مع روسيا لأنه ليس جاهزا لها".. لكن، ماذا عن القرار الأميركي؟ الذي استطاع جرّ دول الغرب الى مصيدته؟ سيّما مع اقتراب الانتخابات النّصفية في الولايات المتحدة؟ والتي يستشعر الرئيس جو بايدن مُسبقا هزيمته وحزبه فيها؟ ما قد يدفعه للهروب الى الأمام والتورّط بحرب يصعب التكهّن بنتائجها لإعادة ترجيح فوزه، مع العلم انّ المواجهة المباشرة مع روسيا والتي ستتخطى حدود الملعب الأوكرانيّ، ستعني فعليّا بدء حرب عالميّة يمكن ان يُشعلها ايّ خطأ في الحسابات!
وفي لحظة مفصليّة، آثرت روسيا تمرير رسالة "صاروخية" من العيار الثقيل "الى من يهمهم الأمر"، عبر إطلاق صاروخ "سارمات" العابر للقارّات لأوّل مرّة، "والذي سيُعزّز القدرات القتالية للقوات النووية الإستراتيجية الروسيّة"-وفق ما اعلنت وزارة الدفاع الرّوسية، فيما اعتبر الرئيس بوتين "انّ هذا الصاروخ سيُجبر المسعورين الذي يحاولون تهديد روسيا على التفكير مليّا"..
في المدى المنظور سيعترض نقص الوقود تحرّكات القوات الأوكرانية، والتي ستعجز عن تشغيل أسلحتها وقوافل إمدادها.. في وقت يتوقّع خبراء عسكريّون روس ان يشهد الأسبوعان القادمان تطورات عسكرية "هامة جدا" على الأرض الأوكرانيّة.. وخارجها. ثمّة معلومات يتمّ التداول بها في أروقة موسكو عن "الساحات الأخرى التي تستطيع موسكو من خلالها تسديد ضربات ضدّ واشنطن وحلفائها وضمنا "اسرائيل"، التي وقعت أخيرا في المحظور الذي لطالما حاذرت الوقوع فيه منذ بدء العمليّة العسكرية الروسيّة، حتى وصل تدهور العلاقات بين الجانبين الى مستوى خطير وزاد في تأزّمها تصويت "اسرائيل" على تعليق عضوية روسيا في منظّمة حقوق الإنسان، والذي قابلته موسكو بردود غير مسبوقة..
هذا في المُعلَن، امّا على ضفّة "غير المُعلَن"، فإنّ موسكو ترصد حراكا "اسرائيليّا في اوكرانيا لا يقلّ رداءة عن حراك واشنطن والناتو، خصوصا في عمليّات شحن الأسلحة الغربية للقوات الأوكرانيّة تحديدا في مدينة لفيف الحدوديّة مع بولندا.. من دون اغفال " هبّة" الصحف والمواقع ووسائل الاعلام العبرية لشيطنة روسيا ورئيسها ونعته بأبشع الصّفات منذ بدء العملية العسكرية في اوكرانيا.
وتدرك تل ابيب انّ الحرب الأوكرانية دفعت موسكو الى "تمتين" علاقاتها مع طهران، بل مع اركان محور المقاومة في سورية، في مقابل تغيير مرتقب بقواعد الإشتباك بين موسكو وتل ابيب في سورية.. وهو الأمر الذي اقلقها منذ بداية الحملة العسكرية الروسية في اوكرانيا.. فجلّ ما يهم "اسرائيل" هي السّماء السوريّة، وقد قالها يائير لابيد-وزير الخارجيّة "الإسرائيلي" بوضوح:" يجب ان نمنع احتمال إسقاط ايّ طيّار "اسرائيلي" في سورية، وأسره".. ابعد من ذلك، ثمّة معلومات "مُقلقة " تلقّفتها تل ابيب مؤخرا وعكستها صحيفة "هآرتس" العبريّة، تُفيد بحلول قوات سوريّة وايرانية وحلفاء اخرين في محور المقاومة مكان عدد من المجموعات العسكرية الرّوسيّة "التي باشرت بمغادرة بعض قواعدها في سورية مُتّجهة الى اوكرانيا"..
الصحيفة التي حذّرت من" انّ القوات السوريّة وحلفاءها شرعوا بالفعل بإعادة تموضعهم الميداني في سورية، لفتت الى انّ موسكو جادّة في "تدفيع" اسرائيل ثمن مواقفها المنحازة الى الولايات المتحدة والغرب في الحرب الأوكرانيّة،ولتصل الى قناعة "انّ الرّوس راجعوا جدّيا سياسة "السّماء المفتوحة" التي منحوها لإسرائيل على مدى سنوات!
وفي حين يصعب التكهّن بمآل انعكاس تأزّم العلاقات بين موسكو وتل ابيب على السماء السوريّة، سيّما على وقع "عدم نفي" احد كبار الدبلوماسيين الرّوس التقته شخصيّة صحافية لبنانية بارزة، المعلومات حول" تموضع ميداني جديد" لقوات محور المقاومة في سورية.. نقل القسم الإستقصائي في موقع "ميدل ايست آي"، عن يؤاف ليمور-المحلّل العسكري الإسرائيلي المعروف، تلقّي الاخير معلومات شبه مؤكدة من مصادر روسية "موثوقة"، عن أحداث عسكرية مرتقبة في سورية، قد تكون إحداها مفاجأة "مدوّية" مرتقبة تفجرّها الدفاعات الجويّة السورية في وجه "اسرائيل"!