أقلام الثبات
منذ انتفاضة تشرين الاول عام 2019، يعيش لبنان مرحلة مفصلية تاريخية، سيكون لتداعياتها تأثير على مسار الأحداث لعقود مقبلة. كان من المفترض أن تقوم حركة 17 تشرين الأول، بتغيير سياسي شامل في لبنان وتعزل المقاومة، وذلك بعدما قدم وزير الخارجية الأميركي الأسبق الى بيروت، وحثّ اللبنانيين على مواجهة حزب الله.
وبعدما تبين أن الواقع اللبناني في مكان آخر مختلف عما يريده بومبيو، كان لا بد من تحرّك لإحداث تغيير سياسي، يحتاج الى مقدمات لحصوله، فتوالت الضغوط الاقتصادية التي ساهمت في كشف "الفقاعة المالية الوهمية" التي يعيشها لبنان منذ 30 سنة وانكشف حجم السرقات والنهب بعدما افلست خزينة الدولة، وأقفلت المصارف أبوابها فور انطلاق الاحتجاجات، ما سمح بتهريب الأموال الى الخارج وهو ما زاد الأزمة وفاقم حدّة الإنهيار المالي.
الأكيد، أنه لم يكن هناك أي صدفة في التزامن والترابط بين الأحداث التي رافقت تحركات 17 تشرين الأول، وأن من كان يحرك الاحتجاجات ويواكبها من إعلاميين وسياسيين ومتعهدي ثوار، كان يسير وفق خطة مرسومة كان يجب أن تنتهي بفراغ سياسي وانهيار اقتصادي شامل، على أن تحصل انتخابات نيابية مبكرة وتحصد قوى 14 آذار وحلفائها من المجتمع المدني الأغلبية النيابية التي تسمح لها بتشكيل حكومة وانتخاب رئيس جمهورية، والضغط على المقاومة لتسليم سلاحها أو لأخذ تنازلات منها بالحد الأدنى.
لم تنجح الخطة، فالطرف المقابل يتمتع بحيثية شعبية وسياسية أيضاً، ويمتلك الكثير من المفاتيح السياسية، بالاضافة الى إعلان أمين عام ح ز ب الله، السيد حسن ن ص ر الله صراحة "العهد ما فيكم تسقطوه". فكان العجز عن التغيير في الشارع فالسير بمشروع التغيير السياسي في صناديق الاقتراع، على أن تتوالى الأزمات على اللبنانيين "من أزمة الى أزمة.. حتى النصر"
واليوم، تتحضر الأطراف كافة لمعركة داحس وغبراء انتخابية، ويشهر كل طرف كل ما يستطيع من أسلحة لكسب الغالبية النيابية، وللسيطرة على لبنان في مرحلة تتسم بتغييرات عالمية هامة جداً، والأكيد سيكون اللبنانيون أمام مشهد يتجلى بما يلي:
- مال انتخابي هائل سيتم صرفه، وسيتم الاستفادة من الأزمة المالية لشراء الأصوات بأبخس الأثمان.
- تجييش طائفي مذهبي من دون سقف، وسيكون التخويف من الآخر المسمار الذي ستدقه هذه الانتخابات في نعش الميثاقية اللبنانية.
- فلتان أمني يرده البعض الى الأزمة الاقتصادية والفقر، ولكنه في الحقيقة لا يعود فقط الى تقاعس الأجهزة عن آداء دورها فحسب، إنما سيستخدم لأهداف انتخابية أيضاً
- استطلاعات رأي متباينة هدفها التشويش على الحقائق، إما لحثّ الناخبين على التصويت أو لدفع ناخبين آخرين الى التراخي وعدم التصويت.
وعليه، على اللبنانيين الانتباه لما يحاك لهم. الانتخابات النيابية هي مرحلة في تاريخ لبنان وليست تاريخه كله. فليصوّت كل إنسان لمن يراه مناسباً، ولكن ليحفظ خط الرجعة مع جاره وشريكه في الوطن. غدًا سيعود اللبنانيون الى أشغالهم وأعمالهم والتجول بين المناطق، لذا يجب أن لا يسمحوا بأن تؤسس الانتخابات النيابية لجذوة حرب أهلية جديدة، ستكون مفاعيلها ونتائجها والفظائع فيها أسوأ من تلك التي مرت على اللبنانيين.