هل يهزم عمران خان "جنرالات أميركا" ـ عدنان الساحلي

الجمعة 15 نيسان , 2022 11:45 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

كرر رئيس وزراء باكستان، المطاح به، عمران خان، أحلام نظيره السابق ذو الفقار علي بوتو، بإخراج بلاده من حالة التبعية الكاملة للسياسات الأميركية في الشرق والعالم، فكان مصيره الإطاحة بحكومته، بغطاء من المحكمة العليا وبتصويت مشكوك بشفافيته في مجلس النواب.

التصويت بحجب الثقة عن حكومة عمران خان في البرلمان، تم على الرغم من إستقالة رئيسه ونائبه إحتجاجاً ورفضاً لهذا التوجه. وترافق مع خروج حشود شعبية داعمة لخيار خان، في العاصمة كراتشي والمدن والمقاطعات الكبرى. لكن هل يستطيع خان تجنب مصير بوتو في خياره الإستمرار في المواجهة، خصوصاً أن خصمه الحقيقي هو جنرالات الجيش الباكستاني، الموالين لأميركا؛ ومعهم التنظيمات الإسلامية السلفية، التي تتحكم المخابرات الأميركية في قرارها؛ وهي التي أنتجت منها ومن أمثالها تنظيمات "طالبان" و"القاعدة" و"داعش".

من يلقي نظرة خاطفة على واقع باكستان، لا يستطيع أن يتجاهل أن هذا البلد المسلم يمتلك قنبلة نووية، مما يجعل من المحظور خروجه من تحت سلطة هيمنة الإدارة الأميركية ومخابراتها المركزية؛ ويبدو أن خان لم يعد العدة كاملة لمعركته، فدخوله في مواجهة مع الهيمنة الأميركية على بلاده وقوله للأميركيين والغربيين: "لسنا عبيداً عندكم"، ليس نزهة، بل هو مشروع حرب طاحنة، سبق أن فشل فيها سابقاً نظيره ذو الفقار علي بوتو وخسر فيها حياته، عندما أسقطه الأميركييون بانقلاب عسكري وجرى سجنه، ثم لفق له ملف جنائي وتم إعدامه شنقاً، تحت سلطة رجل أميركا في ذلك الوقت وقائد الجيش الجنرال ضياء الحق.

والأهم في معركة عمران خان، أنه على ما يبدو لم يستفد من التجربة الإيرانية التي أسقطت نظاماً شبيهاً بالنظام الباكستاني، بثورة قادها الإمام روح الله الموسوي الخميني، جرى فيها التخلص من نظام برمته ومن طبقة حاكمة كاملة، يقودها أزلام المخابرات الأميركية و"الإسرائيلية". ولولا ذلك لما قيض لهذه الثورة البقاء والإستمرار. ولذلك، فإن التحرر من الهيمنة الأميركية وتحرير الحكم في باكستان وقنبلته النووية، يستلزم تغييراً في كل تركيبة النظام الباكستاني، الديموقراطي الإنتخابي شكلاً والممسوك بقوة من قبل العسكر ضمناً. فالعسكر يحرسون ويضمنون بقاء المصالح الأميركية. ويحمون، بإشراف المخابرات الأميركية، القنبلة النووية من أن تقع في أيدي مناوئة للأميركيين وخارجة عن إرادتهم.

حتى إبنة بوتو ووريثته السياسية، بنازير بوتو، عندما حاولت مواصلة مشروعه، قام تنظيم "طالبان باكستان" بشيطنتها ثم نفذ عملية إغتيالها، للتخلص من كل مشروع الخروج على التبعية والهيمنة الأميركية. فمن الحقائق المعروفة أن حكم ضياء الحق الدكتاتوري، استمر في ذلك الوقت، بدعمٍ علني وقوي من أميركا، خصوصاً بعد قيام الاتحاد السوفياتي بدخول أفغانستان عام 1979. وتذكر بوتو في كتاب لها عن تلك المرحلة: أن "المدارس الدينية أخذت تحصل على الدعم المالي؛ وأخذ الطلاب يتعلمون الحديث عن ضرورة الجهاد لتحرير أرض المسلمين في أفغانستان. وأن السوفيات يشكلون خطراً على باكستان المسلمة".

هذا الواقع "الإسلامي" المزوّر، يذكرنا بما يجري حالياً في البلاد العربية المسلمة، من سكوت وتجاهل هذا "النوع" من الحكام المسلمين ومن "الحالات الإسلامية" التي تغطي حكمهم، على الجرائم "الإسرائيلية" اليومية في فلسطين المحتلة. وعلى منعهم لشعوبهم بالقوة، من التعبير عن حقيقة مشاعرها تجاه عمليات التطبيع الخيانية التي يقومون بها مع الإحتلال الصهيوني. فالتنظيمات "الإسلامية" في باكستان، كما هو معروف،  تدار من قبل الأميركان وتمول من قبل المملكة السعودية. ورئيس حكومة "السفارة" الحالي، نواز شريف، مثّل في تسعينيات القرن الماضي، دور رئيس "تحالف القوى الإسلامية الباكستانية" مدعوماً من المخابرات الباكستانية، المدارة من قبل المخابرات الأميركية، التي سبق أن شغلتها في دعم حركة "طالبان" وبتنظيم الحرب ضد الجيش السوفياتي في افغانستان، في تلك الحقبة. وعمل شريف حينها على شيطنة زوج بينظير بوتو أولاً. ولفق اتهاماتٍ بالفساد له ولزوجته ثانياً. حتى تمكّن من إقالتها خلال فترتها الرئاسية الثانية بين عامي 1992 و1996.

هذه الأيام يحاول عمران خان قيادة الشارع الباكستاني ضد حكومة شهباز شريف، التي خلفت حكومته. والتي يعتبرها خان ومؤيدوه "حكومة السفارة الأميركية"، بما يذكرنا بحكومات مماثلة في لبنان، يطمح أمثال فؤاد السنيورة وغيره، لتشكيلها في لبنان. وكل الدلائل تشير إلى إصرار عمران خان على الدعوة إلى إسقاط حكومة المعارضة، التي تشكلت منذ أيام بقيادة شهباز شريف؛ والذهاب الى انتخابات برلمانية مبكرة يعتقد جازماً انه سيفوز فيها فوزاً ساحقاً.

وحسب وسائل الإعلام، فقد كشف السفير الباكستاني السابق ظفر هلالي؛ وهو من المحللين السياسيين الباكستانيين، منذ أيام، أن الرئيس الأميركي جو بايدن، شخصياً، هو من أسقط حكومة عمران خان، بأموال وزعتها السفارة الاميركية على مناصريها وأتباعها من الأحزاب المعارضة. وقال: "لاجل إسقاط حكومة شخص واحد، تم توظيف 13 حزباً، إلى جانب مؤسسة القضاء والجيش والإعلام؛ وصرف ستة مليارات روبية باكستانية. وبأمر من جو بايدن أعطي المتآمرون 300 مليون دولار أميركي لإسقاط حكومة خان".

وإذا كان هناك من يعتقد ان خسارة عمران خان الحكومة بهذا الشكل؛ وفي سياق سيناريو أميركي فاضح، هو لمصلحته لأنه جعله يربح الشارع. وأن بإمكانه الآن تحريك الشارع بشكل طوفاني، خصوصاً أن الظروف الإقليمية والدولية، بعد حرب أوكرانيا، لا تصب لمصلحة الهيمنة الأميركية، فإن الأيام المقبلة في باكستان حبلى بتطورات قد يكون بطلها الشارع الباكستاني، بتمكنه من فرض إرادته، أو أن مصير خان لن يكون أفضل من مصير رموز سبقوه، في الثورة المنتكسة على التسلط والهيمنة الأميركية والغربية. 
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل