أقلام الثبات
مشهدية الحاضرين على مائدة إفطار السفير السعودي في لبنان، هي نسخة عن وليمة السندويشات التي أقامتها وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس في عوكر في حرب تموز عام 2006 لنفس الفئة السياسية، مع اختلافٍ في الشكل والمضمون، لجهة استبدال المأكولات الأميركية السريعة بكبسة سعودية دسِمة بعد عودة السفير من طول غياب، ومع وجود قاسم مشترك بين المائدتين رغم مرور الزمن بينهما، أن هذه الشريحة الخائبة في لبنان ارتضت لنفسها أن تكون "مكبوسة" بقرارات السفارات، وهي تُدرك أنها لن تحصل بعد اليوم على تأشيرة دخول الى جنَّة الحُكم في لبنان ما دامت تتسوَّل القوَّة والإستقواء من الخارج.
وقد تكون الجولة البانورامية في كلمة السيد حسن نصرالله مساء الإثنين، كافية لتحديد الوزن القائم لهذه الشريحة السياسية، بكل حمولتها الإنتخابية وتعداد لوائح خيبتها، بالمقارنة مع ثبات وضع جماهير المقاومة والحلفاء، ومع تباين في موضوع البرامج الإنتخابية، بحيث يأتي برنامج كتلة الوفاء للمقاومة وحزب الله، علمياً وعملياً ومضموناً بوعدٍ صادق، مقابل برنامجٍ واحدٍ موحَّدٍ لخصوم المقاومة و"ثوار 17 تشرين" وهو نزع سلاح حزب الله.
والمُضحِك في إفطار السفير السعودي على كبسة، أن السفيرة الأميركية دوروثي شيا حضرت من دون سندويشاتها، لأن الإطعام منذ عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بات بالكامل على عاتق السعودية، والحضور الأميركي هو فقط إشرافي وبالكفوف البيضاء، تماماً كما هو معتمد في زرع الشر في العالم عبر حروب الآخرين على الآخرين، برعاية أميركية منذ الولاية الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما.
ونبقى في الداخل اللبناني مع السؤال المشروع: لماذا غادر السفير السعودي ومعه سفراء دول مجلس التعاون الخليجي المعتمدين في لبنان، ولماذا عادوا ويعودون؟، والجواب ليس موضوع الإساءة السياسية اللبنانية الى المملكة، ولا حكاية وزير إعلام ووزارة، بل هو كباش أميركي سعودي مع إيران في المفاوضات الجارية على المائدة الإقليمية، والتسويات الآتية التي يُعتبر الملف النووي الإيراني مع مقبلات الهزائم السعودية في اليمن الطبق الرئيسي فيها، والذي لا يعلو عليه صدر الكبسة السعودية ولا السندويشات والشطائر الأميركية التي تشطر أي حليف بعد انتفاء الحاجة إليه.
ونتيجة بت الأمر مبدئياً بالملف النووي لصالح إيران، وبدء "الإنسحاب التكتيكي السعودي" من مستنقع اليمن، عاد السفير السعودي الى لبنان لتصغير ساحة المواجهة مع إيران الى مستوى الساحة اللبنانية، وعبر الأدوات نفسها التي كانت تعمل عام 2006 على تحفيز المحور الأميركي - الخليجي – الإسرائيلي لهزيمة حزب الله، وما دام سلاح حزب الله هو الهاجس المشترك (الدولي والإقليمي وبعض الداخلي)، حمل البخاري ريالاته المُنتظرة لمواجهة حزب الله إنتخابياً، ولو أن الأدوات قد صدأت ولا تنفع معها إعادة التأهيل، وجولة على وضع اللوائح الإنتخابية التي تمّ تجهيزها لمواجهة حزب الله و"سلاحه" والحلفاء، من عكار الى الجنوب طولاً وعرضاً هي كافية، بدءاً من تحالف ناسك معراب مع المبشر بقدومه، خالد الضاهر، مروراً بكل التحالفات الهجينة على وسع الخارطة الإنتخابية، وسنشهد سقوطاً بالضربة القاضية للأدوات لن تمنع الدولارات والريالات من حصوله، وسيعبر حزب الله وحلفاؤه فوق وَهَن ووَهَم الخصوم لقطاف الأغلبية النيابية في 15 أيار...