اوكرانيا الخطوة الاولى في مسار عالمي متمرد ـ يونس عودة

الثلاثاء 22 آذار , 2022 10:47 توقيت بيروت أقلام الثبات

أقلام الثبات

لم يعد هناك اي شك على مستوى العالم، ان علاقات دولية جديدة ستنشأ على ضؤ العملية الروسية الخاصة في اوكرانيا، وهذا الفهم الموضوعي للواقع الدولي يفرض نفسه على الولايات المتحدة الأميركية التي تكابر وتعمد الى التمرد على الحقيقة التاريخية، على قاعدة امتلاكها للقوة الغاشمة التي طالما استخدمتها لفرض غرائزها المحمولة بالقتل والتدمير، وتقديم دول بأمها وأبيها على مذبح اهوائها في نهب الثروات، واستعباد شعوبها . 

بات واضحا ان الصراع الدائر بوجهه الاوكراني، هو صراع بين الماضي الذي يتمسك بايدولوجية الولايات المتحدة والملحقات الاستعمارية الاخرى في اوروبا وبريطانيا، وبين المستقبل الذي تتطلع إليه الشعوب الحرة حقيقة من دون شعارات زائفة، لاسيما بعد الانكشاف الفاضح لشعارات الديمقراطية والحرية على الطريقة الغربية عموما، والأميركية خصوصا. 

وعلى الرغم من الدعاية العنترية والمبالغة في تشويه الوقائع، ونشر الاوبئة من المختبرات الأميركية، واستعراض القوة، الا ان ادراك صناع القرار في الغرب يدركون، ان العالم على طريق انتاج واقع مختلف الى حد بعيد، في نهايات المخاض الحالي، سيطيح بمنظومات متعددة نشأت، بحيث لم يعد ممكنا ان تتربع الولايات المتحدة على كرسي الاستذة، وبقية الكون تلامذة يتلقون الدروس الأميركية عن طيب خاطر . 

من الواضح ان هناك دولا هامة في العالم، تعنيها السيادة الوطنية، والكرامة الوطنية، والدفاع عن امنها وعن شعوبها، ولعل روسيا والصين وايران وفنزويلا في مقدمة تلك الدول، و حتما بعد الانتصار الروسي على الاطلسيين وامتدادتهم الفاشية والنازية في اوكرانيا ستتوسع دائرة الدول التي ستتقدم السيادة والكرامة على المعونات، والرشى لدى حكام وفئات، ضلت الطريق الوطني. 

لم يعد السؤال عن نوعية العلاقات الجديدة لأن الأمر حتمي ، إنما السؤال متى سيوضع القطار بكليته على السكة ؟وكيف ستكون العلاقات؟

لقد استنفذت المنظمات العالمية التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية اغراضها وقيمها الاخلاقية والسياسية، من الامم المتحدة الى المحاكم الدولية ذات الصلة، الى سياسة العقوبات والمنظمات المالية القائمة على الابتزاز لتغيير المسارات السياسية ذات الأبعاد الوطنية، الى المنظمات الرياضية التي تحولت الى مطايا سياسية لدى الاميركيين واتباعهم الغربيين، الى النظام المالي العالمي المتحرك بارادة المتوحش الاميركي، الخ... لان تلك الأدوات المذكورة فسدت محركاتها الأميركية المهيمنة، وبالتالي فان تغيير قواعد اللعبة لا مناص منه، سيما مع العجز اللاحق بواشنطن وبكل من حشدتهم، في وقف القرار الروسي بانتزاع روح الفاشيين، وبعودة اوكرانيا دولة حقيقية، لا منصة اطلسية . 

ان النظام الدولي المقبل  ستكون الخطوة الأولى في مساره، هزيمة واشنطن والاطلسيين، الفاشيون منهم والامبرياليون بمشاربهم المتعددة، الذين يدفعون حكومة اوكرانيا والفصائل الفاشية من خلال الدعم بكل أشكاله ولا سيما العسكري، وهذا لا يعني بالطبع  نهاية الصراع، بل بداية جديدة في الصراع بين مكونات الخير في العالم  ومكونات الشر التي تتزعمها الولايات المتحدة . 

صحيح ان الاقتصاد، سيكون محوريا في هذا الصراع، ولكن الحياة البشرية بحد ذاتها هي العنوان، ولذلك فان سلاح العقوبات بدأ ينعكس على صناعه ومعتمديه، ولا يحتاج المرء لكثير من العناء، فاوروبا الخانعة امام المتجبر الاميركي، تحاول الصراخ وإن بحياء، تطلب الدفء من روسيا، وكذلك الكثير من المواد الاولية لصناعاتها، وفي الوقت نفسه تتحدث عن ضرورة استبدال الغاز والنفط الروسيين من مصادر أخرى، وهذا الامر يحتاج الى سنوات، إذا تم اصلا، فهل ستتحمل شعوب القارة العجوز سنوات أقلها سبع. وهنا مع فرضية نجاح مستحيلة، وهل يمكن ان تقوم دول خليجية في مقدمتها السعودية المألومة من اميركا، وكذلك ايران وفنزويلا بتعويض الاوروبيين بنفط  وغاز بديلين . 

من الطبيعي ان تنخفض قدرات الانتاج الصناعي حتى ذلك الحين، حتى لو لم تمارس روسيا ورقة الغاز والنفط ضد محتاجيها الاوروبيين، وبالتالي ستنخفض موارد تلك الدول، وسوف تكون عرضة لتهالك الاقتصاد المريض، ولم يتعافَ حتى من أزمة كورونا، وهذا بمجمله سيشكل عاملا من عوامل انهيار النظام المالي العالمي المصنع اميركيا . 

ان الواقعية تفرض علاقات دولية على قواعد جديدة، واذا تجاوز الساسة الاميركيون والاوروبيون النصائح بالانتقال الموضوعي الى الواقع، وبقيت الاحلام الاستعمارية، وفرض الاشكال السياسية والاقتصادية، وكذلك الثقافية المسخة، فاننا امام مواجهة ليست منها اوكرانيا بشيء. 
 


مقالات وأخبار مرتبطة

عاجل