أقلام الثبات
يعرف القاصي والداني أن هناك تحالفاَ وتنسيقاً يجمع بين كيان العدو "الإسرائيلي" والمملكة السعودية، في ما خصّ الشأن اللبناني. وعمود خيمة هذا التحالف الشبيهة بالخيمة التي درج السفير السعودي وليد البخاري على نصبها في سفارته في بيروت، ليستعرض فيها طوابير الزاحفين، المتسابقين ليقدموا له وعبره لأميره محمد بن سلمان، فروض الطاعة والولاء، فهو محور العداء للمقاومة والمطالبة بنزع سلاحها، بما يوفر الأمن للكيان "الإسرائيلي" ويبعد عنه أخطار توازن الردع، الذي نجحت المقاومة في بنائه، في وجه عدوانيته التي لم تتوقف منذ إغتصابه فلسطين وتشريده شعبها. ونزع سلاح المقاومة، هو طريق هذا الحلف لتسليم لبنان مباشرة للعدو "الإسرائيلي"، أو مواربة عبر إخضاعه للإملاءات الأميركية المنقولة عبر سفارة عوكر، أو عبر الموفدين الصهاينة وآخرهم الأميركي -"الإسرائيلي" آموس هولشتاين.
وحتى يصل "الإسرائيلي" وحاكم السعودية ومن يتبعهما، إلى غايتهم في لبنان، يريدون تنصيب مجرم ومدان رئيساً للجمهورية. وطريقهم لهذا الأمر، الحصول على أكثرية نيابية في الإنتخابات المقررة في شهر أيار المقبل. وهذا دليل على إفلاسهم وعقم سعيهم، لأنهم يتناسون الفشل المتكرر الذي رافق مشاريعهم في لبنان؛ وأبرزها ترشيح وانتخاب بشير الجميل رئيساً للجمهورية، الذي فشلوا فيه، لأن يد الوطنيين والمقاومين كانت أسرع وأشد فعالية. وكذلك فشلهم في منع وصول الرئيسين إميل لحود وميشال عون، حليفا المقاومة إلى رئاسة الجمهورية.
ولا يخفى على المتابع أن المسعى السعودي –"الإسرائيلي" حرث في الهواء، لا ينبت زرعاً ولا ينفع صاحبه؛ ودليل على إفلاسهم في حربهم هذه. فسمير جعجع الذي بدأ حياته العسكرية قيادياً في الجناح العسكري لحزب الكتائب اللبنانية، في عز تحالف وتعاون هذا الحزب مع العدو "الإسرائيلي"، قام بأدوار بارزة قبل وبعد إنشقاق ميليشيا الكتائب عن حزبها وإطلاق تسمية "القوات اللبنانية" عليها. وكل تلك الأدوار تميزت بالجرائم الدموية والفشل السياسي، الذي أوصل جعجع إلى السجن المؤبد، الذي نفّذ منه أحد عشر عاماً وأنقذه من البقية سعد الحريري، في خضم الصراع الذي نشأ عقب إغتيال والده الراحل رفيق الحريري. ومعروف أن جعجع لم يطرح فكرة أو مشروعاً سياسياً إلاّ وناله الفشل، فصار مدعاة للسخرية، مثل "حالات حتماً"، أو أنه سيحلق شواربه ما لم يسقط حكم الرئيس السوري بشار الأسد خلال فترة بسيطة، مرت عليها سنين ولم تتحقق وبقيت شوارب "الحكيم" كما يسميه أتباعه، غير محلوقة.
واللافت، أن حاكم المملكة السعودية، من ندرة الأتباع اللبنانيين الفاعلين لديه، بعد منعه سعد الحريري من ممارسة السياسة، ألبس رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، ثوب زعامة وهابية وسلفية بدلاً عن ضائع، ليكون زعيماً على المسلمين السنّة ورجل السعودية في لبنان، على الرغم من كون جعجع مسيحي ماروني متطرف في تعصبه الطائفي والعنصري. وهو معروف بعدائه للعرب والعروبة والمسلمين، حيث جرت تسميته هو وأمثاله بإسم "الانعزاليين". فجعجع انطلق من حزب مسلح رفع شعار "على كل لبناني أن يقتل فلسطينياً أوسورياً"؛ و"أدفع ليرة (زمن الليرة في سبعينيات القرن الماضي) تقتل فلسطينياً أو سورياً". فكيف يكون معتمداً لسياسة دولة تدّعي أنها زعيمة العالم الإسلامي السني وقائدته؟
وهكذا، بفعل المال السعودي وأحلام الرئاسة تحول جعجع إلى "عروبي"، يحمل هموم "عرب النفط" ويغار على مصالحهم. وفي سبيل ذلك، سمعناه يكرر كلام القادة الصهاينة، المتطابق مع كلام إبن سلمان وإعلامه. فرئيس وزراء العدو، نفتالي بينيت، يقول أن لديه مع مواطني لبنان عدواً مشتركاً هو "حزب الله" وإيران. فيما جعجع يشهر تبعيته للسعودية وسفيرها وليد البخاري؛ ويعلن بأعلى صوته أنه "يعمل لإستعادة لبنان من حزب الله وإيران".
ويمارس جعجع دور البدل عن ضائع، الذي أرادته السعودية من سعد الحريري، فالمملكة تريده، كما قال محمد ن سلمان لصحيفة الـ"الواشنطن بوست" الأميركية: "نريد الحريري أقوى في لبنان من حزب الله، بالتعاون مع جعجع".
وليس سراً ما يريده حكام المملكة، فهم كانوا يريدون من الحريري سابقاً وحالياً من جعجع، إعادة تجميع فلول قوى 14 آذار والتحالف معها، بمن فيهم الذين وصفهم الحريري بـ"كتاب التقارير"، الذين حرضوا إبن سلمان على إحتجازه وإهانته وإجباره على تقديم إستقالة حكومته من الرياض. وكذلك محاولة إستبداله بشقيقه بهاء. والمساعي السعودية في واقعها، هي تنفيذ للرغبات الأميركية و"الإسرائيلية" في العمل على حصار "حزب الله" والتخلص منه ومن سلاحه، من ضمن المعركة الأميركية-"الإسرائيلية" ضد محور المقاومة. وجعجع الذي تباهى بأن لديه ١٦ الف مقاتل جاهزين لمواجهة "حزب الله"، يسير برياح الأميركي و"الإسرائيلي" بتمويل سعودي لإغراق لبنان في حرب أهلية، خدمة لأمن "إسرائيل" وللمطالب الأميركية، التي تحاصر لبنان مالياً وإقتصادياً لتفرض عليه القبول بترسيم الحدود مع الكيان المحتل حسب الرغبة "الإسرائيلية"؛ والقبول كذلك بتوطين اللاجئين الفلسطينيين ودمج المعارضة السورية النازحة إلى لبنان، في سياق عام لدفع لبنان إلى الإنضمام إلى الأنظمة العربية التي إعترفت بالكيان الصهيوني وأسقطت من حسابها فلسطين وشعبها العربي. لكن وكما تعود جعجع على الفشل واعتاد اللبنانيون على إسقاط المشاريع المشبوهة، سيسقطون أهداف التحالف السعودي-"الإسرائيلي"، حتى وإن كان برعاية أميركية.